مُعضِلاتُ تُواجِهُ اليَمِينِ في تَقْنِينِ مُعادَاةِ المسلِمِين

جَرَى النِّقاشُ على النَّحوِ التَّالي، كما تُصوِّرُه (سوزيل راماشيوتي)، الأستاذةُ في جامعةِ (رُوان) الفرنسيَّةِ، في دراسةٍ مختصرةٍ لها بعنوان: «الإخوان المسلمون والتسلُّل الإسلاميًُّ… أفكارٌ كثيرةٌ هشَّةٌ قانونيًّا»، نشرها نادي المحامين الفرنسيَّين في مايو الماضي: في ضوء عناصر التَّقرير المعنون: «الإخوان المسلمون والإسلام السِّياسيُّ في فرنسا»، الذي كشفت عنه الحكومةُ، لا يبدو أنَّ هذه “الحركة” مُنظَّمةٌ كجمعيَّة، بل هي أيديولوجيَّةٌ مشتركةٌ بين العديد من الجمعيَّات الإسلاميّة (هناك حديثٌ عن “280 جمعيَّةً تابعةً للحركة، تعمل في قطاعاتٍ متعدِّدةٍ تتعلَّق بحياة المسلمين: دينيَّةٍ، وخيريَّةٍ، وتعليميَّةٍ، ومهنيَّةٍ، وشبابيَّةٍ، وماليَّةٍ).

والمعضلةُ الأولى عند راماشيوتي أنَّ “الأيديولوجيَّةَ لا تُكافَح بالقانون؛ فمِن حيث المبدأ، لا تَسمحُ حُرِّيَّةُ الفكر باعتبار أيِّ أيديولوجيَّةٍ، مهما كانت، مُزعزِعةً للاستقرار، مُخالِفةً للرأي. القيودُ الوحيدةُ المسموحُ بها قانونًا مُبرَّرةٌ بالنِّظام العام، على سبيل المثال: (جريمةُ الدعوة إلى الإرهاب)، التي تُعاقِبُ عليها المادَّةُ 421-2-5 من قانون العقوبات”. وتذهب راماشيوتي إلى أنَّ الحلَّ يتمثَّل في أنَّ “المُشرِّعَ الفرنسيَّ يمكنه تحويل الأيديولوجيَّةِ تلك إلى الدَّعوة إلى الإرهاب”، لكنَّها تعودُ وتتذكَّر أنَّ المحكمةَ الأوروبيَّةَ لحقوق الإنسان تُلجِمُها؛ فالمحكمة ترى أنَّ “حُرِّيَّةَ التَّعبير تنطبق أيضًا على نشر الأفكار التي تُسيءُ إلى الدَّولة، أو تصطدم معها، أو تُزعِجُها”.

المعضلةُ الثانية، التي تُناقشها “النُّخبة” السياسيّةُ والقانونيّةُ في فرنسا، هي أنَّه “إذا قرّر المُشرِّعُ حظرَ ارتداء الحجاب من قِبَلِ القاصرات دون سنِّ الخامسةَ عشرةَ، فسيتعيَّنُ عليه بالتَّأكيد أن يُبرِّرَ موقفَه للمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان”؛ أي: كيف يجمعُ القانونُ بين حُريَّة «الطفلة» في ارتداء الحجاب، وحُريتِها في عدم ارتدائه؟

(كما يتَّضحُ، لا علاقةَ بين هذه المشكلة والإخوان المسلمين؛ إذ إنَّها تضرب في قلبِ رغبة الفتاة في ارتداء الحجاب، وتحاول أن تلتفَّ على المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في ذلك، ريثما تنحرفُ هذه المحكمةُ أيضًا وتُقيِّدُ حقوقَ الفتيات في ارتداء الحجاب، بعد سماحِها لفرنسا بتقييد ارتداء النقاب من قبلُ!).

والحلُّ عند “النُّخبة” هو زيادةُ الحالات التي يُمنَعُ فيها ارتداءُ الحجاب، من دون منعه بالكلِّيَّةِ، بحيث لا يقتصر على المدارس ونحوها، وبذلك يلتفُّ القانونُ الفرنسيُّ على القوانين الأوروبيَّةِ الحاكمة.

أيضًا، هناك المعضلةُ الثالثةُ، وهي (مشكلةُ الهُويَّةِ عمومًا)؛ إذ يسعى بعضُ السَّاسة والحُقوقيِّين إلى إحياء مشروع القانون الدُّستوريِّ لعام 2020، والذي كانت الفكرةُ في تعديلِه هي إضافةُ فقرةٍ إلى المادَّةِ الأولى من الدُّستور، صِيغتْ على النَّحو الآتي: “لا يجوز لأيّ فردٍ أو جماعةٍ ادِّعاءُ أصلِها أو دينِها لإعفاء نفسِها من احترام القاعدة العامَّة”.

المعضلةُ الرابعةُ، (العُنصريَّةُ)، عند كريستيان ريو[1] أنَّ “الصُّعوبةَ البالغةَ في مكافحة “الإخوان” (المقصودُ في الأمثلة شعائرُ الإسلامِ نفسِه) تأتي في مجتمعٍ ديمقراطيٍّ يحترمُ الحقوقَ الفرديَّةَ، وقد أصبح شديدَ الحساسيَّةِ لأيِّ اتّهامٍ بالعُنصريَّةِ وكراهيةِ الإسلام، وهذا ما يستغلُّه هؤلاءِ المتطرِّفون عمدًا لتثبيطِ أدنى انتقادٍ للإسلام.

إنَّه تحوُّلٌ غريب، حيثُ، بمساعدةِ تيّارٍ يساريٍّ معيَّنٍ، أصبحتْ أكثرُ المنظَّماتِ تجهيلًا هي التي تتَّهمُ المجتمعاتِ الديمقراطيّةَ بالعُنصريّة”؛ أي أنَّ هؤلاءِ «المتطرّفين» لا يحقُّ لهم أن يتَّهموا غيرَهم بالعُنصريَّةِ ما داموا غارقين في «الجاهليَّةِ»!

المعضلةُ الخامسةُ، (الإسلامُ نفسُه)! حيثُ اختارتِ الحكومةُ الفرنسيّةُ الهيئةَ التي تُمثِّلُ المسلمين، والتي يرأسُها «دليلُ أبو بكر»، إمامُ مسجدِ باريس، وهو معروفٌ بآرائه الشَّاذَّةِ عن «الإسلام الفرنسيِّ»، وتطويعِه الإسلامَ ليكون فرنسيًّا. وبدورِه؛ اختار المجلسُ الإسلاميُّ الفرنسيُّ، الذي يرأسُه دليلُ أبو بكر، الإمامَ «عبدَ القادرِ عربي» في العام 2006م؛ ليكونَ أوَّلَ إمامٍ في الجيشِ الفرنسيِّ في تاريخِها. وكان والدُ «عربي» قد خدم قبلَه في الجيشِ الفرنسيِّ، لكن مع ذلك، لمّا كتب «عربيُّ» [2] مقالًا في المجلَّةِ العسكريَّةِ «إنفلكشنز» [3] بعنوان: «الجهاد، حربٌ “عادلةٌ”»، ذكر فيه أنَّ الإسلامَ وضَع أخلاقيّاتٍ للحرب قبلَ اتفاقاتِ جنيف بكثير، وأنَّ شريعتَه سبقتِ القانونَ الدُّوليَّ، كمثلِ الالتزامِ بالمعاملةِ الإنسانيَّةِ للعدوِّ، واعتبر فيه أنَّ الجهادَ مبدأٌ إنسانيٌّ بعيدٌ كلَّ البُعدِ عن الإرهاب.

هذا كلُّه دعا الصحفيَّةَ الموتورةَ «آن صوفي نوجاريه» إلى اعتبار أنَّه بطريقةِ إرشادِ «عربيّ» العسكريَّةِ الإسلاميَّةِ قد “تسلَّلتْ أيديولوجيَّةُ الإخوان المسلمين إلى تقريرٍ يُندِّدُ بها”! على حدِّ قولِها، في تقريرِها المعنون: «التسلُّل الإسلاميُّ: توصياتٌ تُشبِهُ إلى حدٍّ كبيرٍ مشروعَ الإخوان المسلمين».

وتُدينُ صوفي في تقريرِها أيضًا مفهومَ «الأمَّةِ» لدى المسلمين، الذي يتعارضُ مع مفاهيمِ الجمهوريَّةِ؛ ما يجعلُ المسلمين المتشدِّدين (وغيرَ المتشدِّدين أيضًا!) غيرَ ملائمين للتَّكيُّفِ مع المجتمعِ الفرنسيِّ.

….

نَلْحَظُ، في تحريضِ شهرِ مايو الماضي في الإعلامِ الفرنسيِّ، الذي سبقَ اجتماعَ مجلسِ الدِّفاعِ والأمنِ الوطنيِّ بأسابيعَ قليلةٍ، بل ذاكَ الممتدُّ منذ العَقْدِ الماضي بقوَّةٍ، أنَّه قد نجحَ في تشكيلِ رأيٍ عامٍّ أدَّى إلى استنادِ التَّقريرِ الأخيرِ عن جماعةِ الإخوانِ المسلمين في يوليو الماضي إلى قاعدةٍ جماهيريةٍ مؤيِّدة، وهو ما تمخَّض عنه، في الأخير، إقرارُ مجلسِ الدِّفاعِ والأمنِ الوطنيِّ في اجتماعٍ عقده في 7 يوليو الماضي، برئاسةِ إيمانويل ماكرون، “مبدأَ تشديدِ إجراءاتِ الرَّقابةِ وتجميدِ الأصول، فضلًا عن فرضِ عقوباتٍ تستهدفُ الجمعياتِ التي تُعتبَرُ طائفيةً أو إسلاميةً”؛ لتبدأ عمليةُ وضعِ يدِ الجمهوريةِ الفرنسية على أصولِ جمعياتٍ اشتبهتْ بها، ثم انتهت -دونَ دليلٍ- إلى أنَّها تنتمي إلى جماعةِ الإخوانِ المسلمين.

وهي جماعةٌ يؤكِّدُ أكثرُ من تقريرٍ أمنيٍّ فرنسيٍّ أنَّ أعضاءَها يتراوحُ عددُهم ما بين 400 و1000 عضوٍ فقط، حَكَمَتْ -بسببِ تسلُّلِهم المزعوم في المجتمعِ الفرنسي-على أكثرَ من ثمانيةِ ملايينِ مسلمٍ، قيل: إنَّ كثيرًا منهم يُفضِّلون مدارسَ الجمعياتِ الإسلاميةِ التي يُزعَمُ ارتباطُها بالجماعة، دونَ أدنى دليلٍ حقيقيٍّ.

ولم يكتفِ ماكرون بذلك، بل طالبَ باتخاذِ إجراءاتٍ “أكثرَ طموحًا”، مُعتبِرًا مقترحاتِ حكومتِه السابقة “غيرَ كافية”.

ثم هنَّأ العديدَ من وسائلِ الإعلام على “العملِ الممتازِ الذي قامتْ به” (مِن تحريضٍ على المسلمين)، كما أعلن عن توسيعِ نطاقِ عملياتِ الحلِّ الإدارِّي، المتاحةِ حاليًا للكياناتِ القانونيةِ فقط، والتي قد تؤثِّرُ أيضًا على صناديقِ الأوقاف.

(إنَّها إجراءاتٌ تكادُ تتطابقُ مع ما يُنفِّذُه رئيسُ الوزراءِ الهنديُّ اليمينيُّ المتطرِّفُ، ناريندرا مودي، الذي وضع يدَه على أوقافِ المسلمين في الهند من قبلِ ماكرون).

وزِيدَ على ذلك أيضًا، بأن سُنَّ إجراءٌ آخر: “نظامٌ قَسْريٌّ لتصفيةِ أصولِ المنظماتِ المنحلَّة”، بحيث تُعيِّنُ المحكمةُ القضائيةُ -عندَ اتصالِ الإدارةِ بها-أمينًا عليها لإجراءِ التَّصفيةِ (عمليةُ سرقةٍ ونهبٍ “قانونيَّةٍ” لأصولِ المسلمين)[4].

مجلسُ الدِّفاعِ قرَّر أيضًا “تعزيزَ تدريبِ الأئمَّةِ في بلادِنا” من أجل “التخلُّصِ فعليًّا مِن الاعتمادِ المُفرِطِ على بُلدانِهم الأصليَّةِ” (دِينٌ فَرَنسيٌّ خالص!).

ورغم أنَّ ثَمَّةَ أصواتًا أخرى تقِفُ ضدَّ هذه العنصريَّةِ والصَّليبيَّةِ في فرنسا، وخصوصًا بين اليساريِّين، إلّا أنَّها لا تُؤثِّر كثيرًا في تخفيفِ حالةِ الهِياجِ والسُّعارِ الحكوميِّ والبرلمانيِّ، و‌اللَّذانِ هما نِتاجُ تأييدٍ شعبيٍّ من قلبِ بلادِ الحملاتِ الصليبيَّةِ التَّاريخيَّةِ.

                                                                                                      وللحديث بقيَّةٌ…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] في صحيفة لي ديفوار، 23 /5 /2025
[2] توفاه الله منذ سنوات، رحمه الله
[3] فبراير 2008.
[4] صحيفة لوموند 7 / 7 /2025

اترك تعليق

نشرتنا البريدية

إشترك معنا لكي يصلك كل جديد

التواصل الاجتماعي

بيانات التواصل

905539590432+
rabitah.maktab@gmail.com
رابطة علماء المسلمين

© جميع الحقوق محفوظة لدي رابطة علماء المسلمين 2023 برمجة أنيما ويب