مؤيد بيرزاده، الإعلامي الباكستاني المقيم في الولايات المتحدة، والذي يتابعه أكثر من ثلاثة ملايين شخصٍ على المنصّة ذاتها، شاهد رئيس الوزراء الباكستاني وهو يتملق للرئيس الأمريكي في اجتماع شرم الشّيخ، فكتب على موقع X: “لطالما اعتقدت أنّ عمران خان كان يبالغ عندما وصف شهباز شريف بأنّه بوّاب، لكن بعد سماع الخطاب المخزي، أصبح العالم أجمع يعتبر (شريف) مجرد بوّاب”.
تحت تغريدته، أعاد حساب حركة إنصاف الباكستانية على منصة X مقطعًا قديمًا لرئيس وزراء باكستان المختطف رسميًا، عمران خان، يصرح فيه: “تلميع الأحذية هو سياستهم الخارجية. لا يمكن بناء دولةٍ بهذه الطّريقة أبدًا”.
تبدو الكلمات قاسيةٌ جدًا عن رئيس وزراء دولةٍ إسلاميةٍ نوويةٍ، لكنّ كثيرًا من الباكستانيين قد هالهم هذه الصّورة المذلّة لممثّل دولةٍ إسلاميةٍ كبيرةٍ وهو يكيل المديح لمجرم الحرب الأمريكيّ، دونالد ترامب، ويزيد الوجع لدى الباكستانيين ما تعجّ به وسائل الإعلام الباكستانيّة المعارضة من حديثٍ عن رغبة الحكومة الباكستانية في “تطبيع” العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإطلاقها بالونات اختبارٍ متعددةٍ بالنفيّ أحيانًا والحديث عن الدّولة الفلسطينيّة أحيانًا كشرطٍ لارتكاب جريمة التّطبيع وما يتبعها من الانضمام لاتفاقات “إبراهام” المناهضة للإسلام، وتشوّف شريف للدخول في حظيرة “صفقة القرن” بعد أن تهدأ الأوضاع في غزّة قليلًا، ويعُم السّلام المزعوم في المنطقة.
وما زاد الطّين بِلّةً، أنّه حينما كان شهباز شريف يقف خلف الرّئيس الأمريكيّ، داعيًا إلى منح ترامب “جائزة نوبل للسّلام”، كان الجيش الباكستانيّ يدكّ الحدود الأفغانيّة، ويقتل عددًا من المجاهدين الذين طهّروا أرض أفغانستان من دنس الجيش الأمريكيّ العدوانيّ، وتقصف من الجوّ مواقع جيش الإمارة الإسلامية بدعوى تواطؤها مع “طالبان باكستان”.
تمدّ باكستان يدها لترامب وتنزعها عن هبة الله آخوندة زاده، فتقصف قندهار، معقل حركة طالبان الأفغانية! تطلب جائزة نوبل لمجرم حربٍ، وترفع سلاحها في وجه الأشقاء المجاهدين الذين أرغموا أنف الولايات المتّحدة وأجبروها على الرّحيل، وتمكّنوا من تحرير بلادهم، بل وتخفيف الضّغط الأمريكيّ عن باكستان نفسها بعد مغادرته المذلّة لأفغانستان قبل أربع سنواتٍ.
موقف متشدد من إسلام آباد:
والحقّ أنّه لا يستقيم لإسلام آباد عذرٌ في ارتكاب هذا العدوان على دولةٍ مسلمةٍ جارةٍ، تحكم بالشّريعة، وتنكفئ على نفسها، مُمارِسةٍ سياسةٍ صفريةٍ تجاه جيرانها المسلمين وغير المسلمين، وتنشر الأمن في ربوعها؛ فحكومة باكستان هي من بادرت إلى ممارسة سياسةٍ معاديةٍ للأفغان منذ أن حرّروا بلادهم، وأمّنوا حدود باكستان الطّويلة معهم، والتي تبلغ نحو 2640 كيلومتر.
يقول رئيس الوزراء الأسير عمران خان في رسالته التي بعثها من سجنه (بتاريخ 8 أكتوبر الحالي)، إنّه “خلال فترة ولايتنا التي استمرت ثلاث سنوات ونصف، كان الإرهاب في أدنى مستوياته في تاريخ باكستان، على الرّغم من أنّ أفغانستان كانت آنذاك تحت حكم أشرف غني، الموالي للهند والمناهض لباكستان.
وحتى في ذلك الوقت، زرتُ أفغانستان شخصيًا ودعوتُ أشرف غنيّ لزيارة باكستان سعيًا لتحسين العلاقات الثّنائيّة.
وبفضل جهودنا العمليّة ودبلوماسيتنا الفعّالة، لم تشهد البلاد حالة عدم الاستقرار التي نشهدها اليوم”، ويضيف خان: “في المقابل، لم يبذل الحكّام الحاليون، الذين استولوا على السلطة بشكل غير قانوني، أي جهد لتحسين العلاقات مع الحكومة الجديدة في أفغانستان.
بل على العكس، وبعد أربعين عامًا من الضّيافة، أُهين اللاجئون الأفغان وطُردوا قسرًا بطريقةٍ مؤلمةٍ للغاية.
شغل بيلاوال بوتو منصب وزير الخارجية لأكثر من عامٍ وجاب العالم؛ ومع ذلك، في هذه المرحلة التّاريخيّة الحرجة، لم يزر كابول ولو مرةً واحدةً، ولم يتّخذ أي خطوةٍ لتحسين العلاقات مع الحكومة الأفغانية”.
وهذا صحيحٌ بدرجةٍ كبيرةٍ، فباكستان في ظل حكم شريفٍ – الذي يُعتقد على نطاقٍ واسعٍ أنّ لقيادة الجيش الباكستانيّ نفوذًا كبيرًا عليه – تمارس سياسة معاديةً للإمارة الإسلاميّة في أفغانستان منذ عزل خان وسجنه، وهي تحاصر التّجارة الأفغانيّة، وتضيّق عليها سواء في ميناء كراتشي أو جوادر، اللذين يوفران لأفغانستان الحبيسة، منفذًا بحريًا، وتباشر إعادة ثلاثة ملايين لاجئٍ أفغانيٍّ استضافتهم منذ الحرب الأفغانيّة/السوفيتيّة، من أجل توريط حكومة الإمارة الأفغانيّة في توفير المساعدات لهذا العدد الهائل في وقت كانت الخزينة الأفغانية خاويةً بعد التّحرير.
وتزيد من وتيرة هذا التّهجير القسريّ السّريع، حيث “تكفي خمسة عقودٍ من استضافة الأفغان، على حدّ قول وزير الدّفاع الباكستانيّ، خواجة محمد آصف.
ثم ما فتأت تردّد الحديث عن رعاية حكومة كابول للإرهاب، واحتضانها لحركة طالبان الباكستانية التي كانت أكثر نشاطًا في باكستان إبان حكم نظام أشرف عبد الغني الموالي لواشنطن، منها في ظلّ حكومة الإمارة الأفغانية.
وهذه جملةٌ من الممارسات غير الودودة مع الجارة الأفغانيّة الحرّة تفسّر الجفاء الذي تتعامل به كابول مع إسلام آباد في مقابل حفاوةٍ تجدها من العواصم الرّئيسة حول أفغانستان.
وهذا السّلوك العدوانيّ من حكومة باكستان، يعزّز فرضيّة ضلوع حكومة باكستان في مخطّط لإرغام كابول على الانصياع للإملاءات الغربية.
تلك الحكومة التي جاءت بعد انقلابٍ قضائيٍّ على حكومة عمران خان، ثم تزوير الانتخابات لصالح حزب الرّابطة الإسلاميّة، وسجن عمران خان الذي كان يرغب في تحقيق وحدةٍ إسلاميةٍ مع الجارة المسلمة، وقد حال الانقلاب على عمران خان، دون أن تتحرّر البلاد من ربقة النّفوذ الأمريكيّ على هذا البلد الكبير، الذي أفقرته سياسةٌ اقتصاديةٌ رهنت مصير الباكستانيين بإملاءات صندوق النّقد الدولي المدمّرة للاقتصادات.
وتواصل تكريس تبعيّة دولةٍ نوويةٍ قويةٍ لواشنطن رغم قدرتها النّظرية على التّحرر من تلك التّبعيّة، وهي تخفق بذلك في الاستفادة من تجربة طالبان الرّائدة في الانعتاق من الاحتلال الأمريكي ونفوذه، وبدلًا من التّقارب معها تحاربها، وتمارس ضغطًا مضاعفًا عليها في لحظةٍ آذن فيها ترامب العداء للإمارة الإسلامية في تزامنٍ لا تجافيه الظّنون السّيّئة!