ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ القَائِلِ: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ»، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ نبيِّنا محمّدٍ القائِلِ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ رَابِطَةَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِيْنَ، وَهِيَ تُتَابِعُ بِقَلَقٍ بَالِغٍ مَا حَدَثَ فِي مَدِينَةِ الْفَاشِرِ، عَاصِمَةِ وِلاَيَةِ شَمَالِ دَارْفُورَ فِي جُمْهُورِيَّةِ السُّودَانِ، مِنْ حِصَارٍ جَائِرٍ وَقَصْفٍ مُتَوَاصِلٍ، وَاسْتِخْدَامٍ مِنهَجِيٍّ لِلْمَدَنِيِّينَ كَهَدَفٍ، ثُمَّ مَا تَلَى سُقُوطَ مَدِينَةِ الْفَاشِرِ فِي يَدِ قُوَّاتِ الدَّعْمِ السَّرِيعِ مِنْ قَتْلِ الْمَدَنِيِّينَ الْعُزَلِ بِلَا رَحْمَةٍ وَلَا تَفْرِيقٍ بَيْنَ طِفْلٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ شَيْخٍ، وَتَرْوِيعٍ لِلْمَدَنِيِّينَ وَتَشْرِيدِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَمَخَيِّمَاتِهِمْ، وَنَهْبِ مُمْتَلَكَاتِهِمْ بِلَا وَازِعٍ مِنْ دِينٍ أَوْ خُلُقٍ.
وَإِذْ تُدِينُ الرَّابِطَةُ هَذَا الْعُدْوَانَ الْبَاغِيَ الظَّالِمَ، فَإِنَّهَا — نُصْرَةً لِلْمَظْلُومِينَ وَأَخْذًا عَلَى يَدِ الْبَاغِينَ — لَتُؤَكِّدُ مَا يَلِي:

أَوَّلاً: تَجْرِيمُ مِيلِيشْيَا الدَّعْمِ السَّرِيعِ، وَوُجُوبُ اصْطِفَافِ الْمُسْلِمِينَ لِمُقَاتَلَتِهَا دِفَاعًا عَنِ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ، لِأَنَّهَا فِي الشَّرْعِ تُعْتَبَرُ طَائِفَةً بَاغِيَةً مُعْتَدِيَةً تَرْفَعُ رَايَةً عَمِيَاءَ جَاهِلِيَّةً عَصَبِيَّةً وَمُحَارِبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ وَمُفْسِدَةً فِي الْأَرْضِ مُمْتَنِعَةً عَنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ. وَتُؤَكِّدُ أَنَّ كُلَّ عُدْوَانٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُسْتَضْعَفٍ هُوَ عُدْوَانٌ عَلَى حِفْظِ الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ، وَأَنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ أَمَانَةٌ يَجِبُ أَنْ تُحْفَظَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلِمِينَ.
ثَانِيًا: إِنَّ اسْتِمْرَارَ هَذَا الْبَغْيِ وَالْقَتْلِ يَسْتَدْعِي تَحَرُّكًا عَاجِلًا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَدُوَلِ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْقِفٍ وَاحِدٍ، لَا تَبْرِئَةَ فِيهِ لِمَنْ يُدْعِمُ هَذِهِ الْمِيلِيشْيَا، أَوْ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ جَرَائِمِهَا، أَوْ يَسْمَحُ لَهَا أَنْ تُسْتَخْدَمَ أَدَاةً فِي تَقْسِيمِ السُّودَانِ أَوْ اسْتِنْزَافِ مَقْدِرَاتِهِ.

ثَالِثًا: لَا يَجُوزُ لِلْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ جَرَائِمِ هَذِهِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الَّتِي تَنْتَهِكُ الْحَرَمَاتِ وَمَقَاصِدَ الشَّرْعِ، وَالْمَعْلُومَةُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا يُسَوِّغُ لَهُمْ الإِعْرَاضَ عَنْ تَجْرِيمِهَا عَنْ مُمَارَسَاتِهَا الْهَمْجِيَّةِ الَّتِي اسْتَنْكَرَتْهَا كُلُّ الْمُنَظَّمَاتِ الْعَامِلَةِ فِي مَجَالِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْإِقْلِيمِيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ.

رَابِعًا: إِنَّ مَا تَتَعَرَّضُ لَهُ مُدُنُ السُّودَانِ خَاصَّةً الْفَاشِرُ هُوَ عُدْوَانٌ يَسْتَوْجِبُ عَلَى أَهْلِ السُّودَانِ الدِّفَاعَ عَن دِينِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَرْضِهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَيَادِينِ الْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. بَلْ جِهَادُهُمْ هُوَ السَّبِيلُ الْوَحِيدُ لِرَدْعِ هَذَا الْبَاغِيِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ لِلَّنَّاصِحِينَ وَلَا يرعوي عَنْ غَيِّهِ بِحُجَّةِ شَرْعٍ وَلَا مِنْطِقٍ عَقْلٍ.

خَامِسًا: تُدِينُ الرَّابِطَةُ الدَّعْمَ الْعَسْكَرِيَّ وَاللُّوجِسْتِيَّ الْمُسْتَمِرَّ مِنْ بَعْضِ الدُّوَلِ أَوِ الْأَحْزَابِ لتِلْكَ الْمِيلِيشْيَا، الَّتِي اسْتَبَانَ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ جَرَائِمُهَا وَبَغْيُهَا وَعُدْوَانُهَا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ شَرْعًا وَعَقْلًا أَنَّ الإِعَانَةَ عَلَى الظُّلْمِ بِأَيِّ صُورَةٍ، سَوَاءً بِالْمَالِ أَوِ الْكَلِمَةِ أَوِ السُّكُوتِ أَوِ التَّبْرِيرِ، مُحَرَّمَةٌ، وَفَاعِلُهَا دَاخِلٌ فِي تَحْذِيرِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بسندٍ صحيحٍ )، فَكُلُّ مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا عَلَى ظُلْمِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لَهُ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

سَادِسًا: بِكُلِّ وُضُوحٍ يَتَجَلَّى التَّوَطُّؤُ الدَّوْلِيُّ فِي التَّغْطِيَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَى الْجَرَائِمِ، ذَلِكَ بِغَضِّ الطَّرْفِ عَنْ الدُّوَلِ وَالْجِهَاتِ الَّتِي تُدَعِّمُ الْمِيلِيشْيَا الْمُتَمَرِّدَةَ وَتَمْدُّهَا بِالسِّلَاحِ وَالْغِطَاءِ السِّيَاسِيِّ. وَرَغْمَ سِجِلِّ الْمُتَمَرِّدِينَ الإِجْرَامِيِّ الظَّاهِرِ لِلْعَيَانِ فِي الْجَنِينَةِ وَالْخُرْطُومِ وَالْجَزِيرَةِ، ثُمَّ مَا تَرْتَكِبُهُ أَيْدِيهِمْ الْيَوْمَ مِنْ مَجَازِرَ إِبَادَةٍ فِي الْفَاشِرِ، فَإِنَّ مَا يُسَمَّى بِالْقُوَى الدَّوْلِيَّةِ لا تَزَالُ تُصِرُّ عَلَى مُسَاوَاةِ الدَّوْلَةِ السُّودَانِيَّةِ بِالْمِيلِيشْيَا الْمُتَمَرِّدَةِ، وَالدَّفْعِ نَحْوَ «تَسْوِيَةٍ» تُخْفِي رَأْسَ الْجَرِيمَةِ وَتَمْنَحُهَا شَرَعِيَّةَ الْوَاقِعِ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ عَبَثٍ سِيَاسِيٍّ صَارِخٍ وَانْحِيَازٍ مُفَضُوحٍ فِي فِلَسْطِينَ وَلِيبِيَا وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

خِتَامًا: إِنَّنَا فِي هَذَا الْبَيَانِ نُوَجِّهُ نِدَاءً عَاجِلًا إِلَى دُوَلِ المسلمين، وَإِلَى الْمُنَظَّمَاتِ الإِنسَانِيَّةِ وَالإِغَاثِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ لِإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِينَ فِي دَارْفُورَ، لِإِنْقَاذِ الأَنْفُسِ مِنَ الْهَلَاكِ بِإِيصَالِ الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْخِيَامِ.
وَاللَّهُ الْكَرِيمُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ هُوَ الْمَسْؤُولُ أَنْ يُعِيدَ لِلْسُّودَانِ وَأَهْلِهِ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالسَّلْمَ وَالسَّلاَمَ.

ٱلْهَيْئَةُ الْعُلْيَا لِرَابِطَةِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
٨ جُمَادَى الأُولَى ١٤٤٧هـ، المُوَافِقُ ٣٠ أُكْتُوبَرَ ٢٠٢٥ م.

اترك تعليق

نشرتنا البريدية

إشترك معنا لكي يصلك كل جديد

التواصل الاجتماعي

بيانات التواصل

905539590432+
rabitah.maktab@gmail.com
رابطة علماء المسلمين

© جميع الحقوق محفوظة لدي رابطة علماء المسلمين 2023 برمجة أنيما ويب