في كلمات قليلة،  أجمل زعيم إمارة أفغانستان الإسلامية، المولوي هبة الله أخوندزاده، إنجازات حكومة طالبان التي تدير البلاد، بقوله: “أصبحت أفغانستان بعد انتهاء الاحتلال، صاحب نظام شرعي مقدس، و استتب الأمن في جميع أنحاء البلاد، بعد عقود من الزمن، ونجا الشعب من الفساد والظلم والاغتصاب والمخدرات والسرقة والنهب والسلب في ظل أحكام الشريعة الإسلامية، وتوفرت الأرضية السليمة لاستقرار أفغانستان وإعادة إعمارها، وتحرر مواطنونا من الخلافات اللغوية والعرقية والطائفية والحزبية وغيرها، وهذه نعم إلهية عظيمة يجب على شعبنا ألا ينساها، وأن يحمد الله تعالى عليها في ذكرى يوم النصر لتزداد نعمه، فإن لم نشكر النعم وكفرنا بها، عقابنا الله تعالى عقابًا شديدًا.” (من كلمة “أمير المؤمنين” في ذكرى الانتصار 15/8/2025 م)

وبطريقة فريدة، أنهى المرحلة الانتقالية الأولى بقوله: “فتوجيهي الجاد لجميع مسؤولي الإمارة الإسلامية، أن يخدموا نظام الشريعة والمسلمين، وأن يسعوا لرفاهية الشعب وسلامته، وأن يتجنب جميع وزراء الإمارة الإسلامية استخدام كلمة “القائم بالأعمال”.” وهي طريقة تُعبر عن خصوصية التجربة الأفغانية لطالبان في الحكم، والتي تغوص إلى جوهر الحكم، وتخرج به عن حسابات السلطة “الحديثة”، التي تمارس السياسة بطرق زائفة في كثير من الأحيان، متجملة بقشور تخبئ خلفها نظم “دول عميقة” أو نظم تابعة ذليلة.

انتهت إذن الفترة الانتقالية بعد مرور أربعة أعوام على انتصار حركة طالبان على الأمريكيين وأدواتهم في كابول، وابتدأت “الإمارة الإسلامية” عهدًا جديدًا محملة بزاد وفير من الإنجازات التي حققتها على مدى تلك الأعوام.

الإنجازات:

لعل أهم انجازات الإمارة الإسلامية على الإطلاق هو تطبيقها للشريعة الإسلامية في مجمل قوانينها وقراراتها، من بعد تحريرها لمجمل الأراضي الأفغانية، ونشرها الأمن والاستقرار في ربوعها، وتحقيق قدر عالٍ من الاستقلال في ظل الحكم الإسلامي. ثم يتلو ذلك حزمة من الإنجازات في مجالات مختلفة، أبرزها:

في المجال العسكري والأمني: بسطها للسيادة على كافة أراضي الدولة، وإنشاء جيش قوي، من ضباط وجنود محترفين، وتنميتها المتصاعدة للقدرات التسليحية والقتالية، وفق معايير حديثة نسبيًا.  ورغم أن الجيش الأفغاني يفتقر إلى قدرات معقولة في السلاح الجوي، ولا يتمتع بمنظومة دفاعية جوية جيدة إلا أنه بدأ في خطوات تحديثية يُتوقع أن تقود مستقبلًا إلى ما يجعل سماءها أكثر أمنًا.

وأمنيًا، يلحظ بوضوح شيوع الأمن في كافة مناطقها ومديرياتها، حتى غدا المسافر من نيمروز إلى بدخشان لا يخشى شيئًا، مطمئنًا إلى اصطحاب أسرته معه دون قلق، بحسب ما يُعبر عن ذلك الأفغان أنفسهم؛ فالجرائم قد صارت محدودة نسبيًا، والشرطة حاضرة دائمًا عند اختلال الأمن ووقوع الحوادث، والحزم قاطع في تحقيق العدالة.

ويُرجع المراقبون المحليون نجاح الإمارة الإسلامية في تحقيق الأمن، إلى وحدة الصف، والتنظيم الحكومي المنظم في العملية الجهادية، وسياسة العفو العام، والأخذ بأسباب التطور والتحديث المستمر، واليقظة حيال المؤامرات والدسائس.

في المجال السياسي:

يعد النظام السياسي الأفغاني فريدًا من نوعه، بحيث لا يمكن تأطيره ضمن النظم المتعارف عليها دوليًا؛ فليس هذا النظام بالديمقراطي، ولا الاستبدادي الديكتاتوري، ولا الثيوقراطي القائم على تقديس المؤسسة الدينية الحاكمة، وإنما هو نظام شوري إسلامي، يتمتع بشعبية عالية، وحاضنة قبلية متنوعة. وهو نظام محكم من حيث انضباطه، وخضوعه لتوجيهات حازمة من القيادة التي تتمتع بالاحترام وليس القداسة بين جموع طلاب العلم، القوام الأساسي لحركة طالبان الحاكمة.تقرير تقدير موقف أربعة أعوام من حكم الإمارة الإسلامية

في مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية:

أكثر من مائة دولة باتت تتعامل اليوم مع الإمارة الإسلامية، وتتعامل معها دبلوماسيًا، وقد نجحت الإمارة في إقامة علاقات اقتصادية مع دول أسيوية كثيرة، وطورت علاقات اقتصادية مع روسيا (التي اعترفت بنظامها)، والصين التي ترغب في ضم أفغانستان لاتفاقية الحزام والطريق الاستراتيجية، ودول آسيا الوسطى، والهند، وإيران، وتركيا، وقطر. وفتحت العديد من بعثاتها الدبلوماسية في عشرات الدول. وحافظت على استقرار سياسي فريد في الداخل رغم كثير من المؤامرات، لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الجوار التي تستضيف رموزًا من النظام البائد بغية اتخاذهم ورقة للضغط بها على أفغانستان.

في المجال الاجتماعي:

تمكنت الإمارة الإسلامية من إعادة توطين نحو خمسة ملايين ومائة ألف لاجئ أفغاني عادوا إليها طوعًا أو كرهًا، بعد أن أجبرت دول مجاورة أعدادً كبيرة منهم على  الرحيل إلى أفغانستان، وقد كانت هذه العودة الكبيرة لتقصم ظهر أي دولة استلمت بلدًا خاويًا من أي فلس في خزائن أموالها، لكن الإمارة قد تعالت على تلك المعضلة وتعاملت معها بحكمة وتؤدة مكنتها من استيعاب تلك الأعداد الهائلة من اللاجئين، بل وحولت تلك المحنة الاقتصادية إلى منحة بزيادة الثروة البشرية لديها في ظل سياسة اقتصادية واعدة، توفر كل يوم فرصًا جديدة للعمل رغم التحديات التي تواجهها، وزيد على ذلك ترحابها الكبير بالعائدين وتشجيعهم على البدء بحياة جديدة مع إخوانهم الأفغان الآخرين. وفي هذا المضمار، عملت الإمارة على إنشاء مدن وأحياء سكنية خاصة بالمهاجرين العائدين في ولاية فارياب، على مساحة 1978 فداناً، وولاية سربل، على مساحة 593 فدانٍ، وولاية ميدان وردك، على مساحة 800 فدان، وولاية غزني، على مساحة 4000 فدان. كما قامت بإعداد خطة لبناء 35 مجمعاً سكنياً في 25 ولاية أفغانية، بالمرافق الأساسية من مدارس وعيادات طبية وشبكات مياه للشرب وكهرباء ومساجد وأراضٍ زراعية.

وفي الصعيد الاجتماعي ذاته، حاربت الإمارة الصرعات الفكرية الملوثة التي تريد هدم مؤسسة الأسرة، والانجراف في بحور التغريب الظلامية. كما عالجت كثير من المشكلات الناجمة عن سني الحرب والشتات، كرعاية الأرامل والأيتام ونحو ذلك. إلى جانب خطوات كثيرة أخرى في هذا الشأن الاجتماعي.

ومن أبرز ما قامت به في هذا المجال كذلك، هو نجاحها في تأهيل عدد كبير جدًا من المدمنين، والمتعاطين للمخدرات التي كانت منتشرة خلال زمن الاحتلال الأمريكي، وقد أشاد بذلك إعلامي أمريكي بارز بحسب ما بث شهادته، موقع أفغانستان بالعربي، حيث أكد على أن أفغانستان – بسبب التأهيل الإيماني للمدمنين – تمكنت من علاجهم بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت في ذلك رغم استخدامها أكثر الأدوية فعالية.

في المجال الاقتصادي:

توسعت أفغانستان في مجالات صناعية عديدة، ويقول وزير الصناعة والتجارة إنه “يوجد في أفغانستان أكثر من 6500 مصنع نشط، تنتج 572 نوعًا من البضائع، وقد بلغنا الاكتفاء الذاتي في أكثر من 100 صنف منها.”، وجدير بالذكر أن صناعات كثيرة قد تطورت في أفغانستان، وجدت عليها صناعات لم تكن موجودة بالفعل، لاسيما في مجالات الغذاء، الذي واكب النهضة الزراعية الملموسة في مجالات متنوعة، خصوصًا في زراعة الفواكه التي تتميز بها أفغانستان.

وعلى تماس بين ترسيخ الجانب الأخلاقي، وبناء الإنسان الأفغاني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لمحصول استراتيجي، تجاوز إنتاج القمح في أفغانستان 5.2 مليون طن سنويًا، بمستوى إنتاجي يجاوز 50% ما تنتجه دولة زراعية كبيرة كمصر على سبيل المثال، ونحو 20% مما تنتجه دولة عملاقة في زراعة القمح/ أوكرانيا، وهو محصول غزا الأراضي التي كانت تزرع بالأمس بالخبائث (المخدرات)، وامتدت لمساحات شاسعة أخرى، وتم استصلاح ما يزيد على 750 ألف فدان تقريبًا من الأراضي الجديدة، كما تم إنشاء ما يزيد عن 300  قناة ريّ جديدة في الولايات الزراعية. وقد كانت سياسة إعادة اللاجئين المتسارعة من قِبل بعض دول الجوار، تهدف فيما تهدف إليه، إلى الضغط على كابول من أجل وقف سياسة بناء السدود التي تحد من تدفق المياه إلى تلك البلدان دون ضابط أو اتفاق عادل. وقد أعلنت وزارة المياه والطاقة عن تنفيذ 135 مشروعًا في مجالات إدارة المياه وتوليد الكهرباء، وأفادت وكالة الشؤون الاقتصادية لمجلس الوزراء، بأنها بدأت خلال العام الماضي مشاريع إنشاء 355 سد مائي، وتم الانتهاء من تشييد معظم هذه السدود في البلاد. وهو ما من شأنه أن يحقق عدة أهداف، أهمها: زراعة ضعف المساحة المنزرعة حاليًا، وتوليد طاقة تحتاج إليها أفغانستان بشدة، وحماية الأفغان من السيول.

وفي التعدين، تخطو الإمارة بسرعة في إنجاز مشروع “عينك” الشهير في ولاية لوجر (يمتد على مساحة 25 کیلومترًا مربعًا)، والذي يُعدّ من أكبر مناجم النحاس في آسيا، حيث يختزن أكثر من 11 مليون طن من النحاس عالي الجودة. علاوة على مراجعة كل عقود استخراج الأحجار والمعادن الثمينة، وإخضاعها لنظام يحول بينها والتهريب والطرق غير القانونية التي لا تصب في صالح الأفغان.

وقد توسعت التجارة الأفغانية إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، وبلغت قيمة التجارة السنوية نحو 13 مليار دولار.  وفي النظام المصرفي، أعلن البنك المركزي الأفغاني أنّ العام الهجري 1446 كان عامًا إيجابيًا للقطاع المصرفي، حيث ارتفعت رؤوس أموال البنوك بنحو ثلاثة مليارات دولار.

أما في صعيد الطاقة، فتولد المحطات الجديدة معدلات جيدة من الطاقة، لا تسد الحاجة بعد، لكنها تثب في طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد أن شرعت أفغانستان بالتعاون مع المستثمر الأفغاني العالمي واعظ عزيزي في مشروع واعد لإنتاج 10 جيجا واط من الكهرباء يوميًا، وهو رقم كبير جدًا قياسًا بما هو موجود في أفغانستان حاليًا. (تنتج أفغانستان حاليًا نحو 0.5 جيجا واط يوميًا، ويمكنها إنتاج 23 جيجا واط في حال استغلت إمكاناتها الكهرومائية فقط، بخلاف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلًا عن الإنتاج بواسطة الوقود التقليدي).

وفي المجال الثقافي والعلمي:

تهتم حكومة الإمارة بإشاعة التعليم لاسيما الديني في كافة مناطق أفغانستان، وتولي المرأة تحديدًا اهتمامًا أكبر فيما يخص هذا النوع من التعليم، وهي في طريق إنشاء مدارس وجامعات جديدة لتوفير تعليم متنوع في ظل الشريعة الإسلامية. ويقول نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في أفغانستان، الملا عبد الغني برادر آخند، لمناسبة الاحتفال بالاستقلال في 15 أغسطس، أن “التعليم العصري والتقنيات الحديثة سيكونان سرّ نجاح البلاد في مواكبة التطورات العالمية.”

وتشهد البلاد صحوة دينية ترفدها آلاف المساجد ودور تحفيظ القرآن التي توسعت الدولة في إنشائها وتطويرها.

وفي سياق متصل، وهو العناية بلغة القرآن الكريم، يقول عبد الرؤوف عمار أستاذ اللغة العربية في كابول إن “حكومة الإمارة الإسلامية قد أولت اهتمامًا خاصًا بتعلم العربية، حيث تم دمجها في وسائل الإعلام الحكومية والرسمية، وتعزيزها عبر البرامج الدينية والتعليمية على شاشات التلفاز والإذاعات. وفي العاصمة كابول خصوصًا، ارتفع عدد المراكز التي تقدم دورات في تعليم العربية بشكل ملحوظ”.

وتلك الكلمات عن هذه المجالات ليست إلا نماذج لما قد تحقق، ويتحقق في هذا البلد الواعد، وإلا، فالشواهد كثيرة جدًا لا يتسع لها المقام لإنجازات تحققت في هذه المرحلة التي كانت انتقالية، ويُتوقع أن تتبعها مراحل أكثر ظهورًا وتألقًا، بمشيئة الله تعالى.

….

تبدو الإمارة الإسلامية سائرة في طريق نهضة على أسس قيمية جيدة، ويظهر أنها تحقق تجربة رائدة وفريدة، إيجابياتها فيها أكثر بكثير من سلبياتها المحدودة، وقد لا يُخشى على أفغانستان في هذه المرحلة من الغزو العسكري المباشر، وإنما ما يُقلق الأفغان وإخوانهم، هو محاولات الاحتواء التي تسعى إليها عدة دول، وكذلك ينبعث القلق من التطلعات الشخصية التي قد تطرأ على بعض المسؤولين والإداريين في دواليب الحكم والإدارة المختلفة من إقبال الدنيا – فالله يحفظهم من كيد الكائدين وشرور الأنفس – ولهذا يحذر وزير الدفاع الأفغاني، المولوي محمد يعقوب مجاهد، خلال مراسم إحياء الذكرى الـ106 لاستقلال البلاد عن “الاستعمار” البريطاني، التي حلت أيضًا في ركاب الاحتفال بذكرى التحرير من الاحتلال الأمريكي، من أن “الأفغان كانوا على الدوام عرضة للخداع بإشارات وتدخلات خارجية، حيث جرى التآمر على احتلال أرض أفغانستان عبر المدارس والجامعات والمؤسسات الدينية والثقافية وغيرها من المجالات. فلا ينبغي مطلقاً أن تتكرر تجربة سلب الحرية مرة أخرى، فعلى الشعب الأفغاني بألا ينخدعوا بعد اليوم بما يتجاوز هويتهم الإسلامية والأفغانية، وألا يقعوا فريسة للمؤامرات التي مورست ضدهم في الماضي”.

اترك تعليق

نشرتنا البريدية

إشترك معنا لكي يصلك كل جديد

التواصل الاجتماعي

بيانات التواصل

905539590432+
rabitah.maktab@gmail.com
رابطة علماء المسلمين

© جميع الحقوق محفوظة لدي رابطة علماء المسلمين 2023 برمجة أنيما ويب