الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه الكريم: “ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ”، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن رابطة علماء المسلمين، وهي تتابع باهتمام واستنكار العدوان الصهيوني المتكرر على الجمهورية العربية السورية، تحت ذريعة زائفة بحماية الأقلية الدرزية، لتؤكد للمسلمين في كل مكان أن بيان الحق وكشف الزيف واجب شرعي، وأمانة دينية، وضرورة سياسية.
أولًا: تدين الرابطة هذا العدوان الصهيوني الغاشم على بلد عربي مسلم مسالم ما زال يتعافى من آثار الحرب والجرائم الممتدة التي شنها النظام السابق بدعم إيراني روسي مخلفًا جروحًا غائرة، وآلامًا كبيرة ودمارًا هائلًا في كل مناحي الحياة.
ثانيًا: نؤكد مجددًا أن هذا الكيان الصهيوني الغاشم كان ولا يزال في طليعة الأعداء الذين يفتكون بالأمة، منذ غرس في قلب فلسطين المباركة، وما يشنه اليوم من حرب غاشمة على الشام وتدمير لمقدراتها وبنيتها التحتية وسائر مؤسساتها الحيوية ليس سوى حلقة في مسلسل حربه الوحشية الهمجية ضد الشعوب العربية، وهي جرائم مدانة بتوصيف الشرائع السماوية والقوانين الدولية، على حد سواء، وتمثل اعتداءً سافرًا على سيادة دولة مستقلة وتدخلًا صارخًا في شؤونها الداخلية، مع العلم أن هذه الهجمات العدوانية تكشف مرة أخرى عن الوجه القبيح لهذا الكيان الذي دأب على استباحة الدماء، وانتهاك المقدسات، وزرع الفتن بين الشعوب.
ثالثًا: بخصوص المكون الدرزي في سوريا فهو جزء من نسيج الأمة في بلاد الشام، عاش في ظل الدولة الإسلامية على مر القرون مكرمًا محفوظ الحقوق، ولم يُمس في دينه ولا في كرامته، إلا من شذ ورضي أن يكون أداة بيد أعداء الأمة ورفع السلاح في وجه الدولة، وفي هذا السياق نحيي العقلاء من أبناء الطائفة الدرزية الذين أدركوا خبث هذا الكيان، ورفضوا أن يكونوا مطية لسياساته التوسعية، وعليه؛ فإنه يجب على الدروز جميعهم أن يعلنوا بوضوح رفضهم لادعاء إسرائيل حمايتهم وأن يكون ولاؤهم لأبناء شعبهم وقيادته السياسية في دمشق ممثلة في الحاكم الشرعي المعترف به دوليًا.
رابعًا: بخصوص ما يتم تداوله عن وجود مباحثات ومفاوضات للدولة السورية الناشئة مع الجانب الصهيوني — وإن كانت غير مباشرة أو عبر وسطاء — فإننا نذكّر الأمة جمعاء، ونخص أهلنا في سوريا، بأن العدو الصهيوني قد عُرف عبر التاريخ بالغدر ونقض العهود، كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }، وقوله تعالى: { الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ }.
فهؤلاء قوم ألفوا الغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد، وقد تكرر ذلك منهم مرارًا وتكرارًا مع أنبياء الله ورسله، بل ومع كل من حاول مصافحتهم أو مهادنتهم.
وفي هذا السياق، نلفت إلى أن الكيان الصهيوني اليوم قد تحول إلى وحش كاسر، لا يلتفت حتى إلى مصالح الدول التي دعمت النظام في دمشق وساندته في معاركه الداخلية، إذ إنه لا يريد لدولة مجاورة، أن تحتفظ بهويتها أو استقلال قرارها، بل يسعى إلى تركيع الحكم في دمشق ودفعه نحو التطبيع الكامل، وجعل الدولة السورية جزءًا من مشروعه في المنطقة، بما يخدم أهدافه التوسعية ويكرس هيمنته الإجرامية على بلاد الشام.
وعليه؛ نحذر الحكومات والشعوب من الانخداع بالوعود الكاذبة التي يطلقها الصهاينة ومن ورائهم الصليبيون، أو الركون إلى تسويات وهمية، فقد أثبت التاريخ، والواقع المعاصر، أن كل مسارات التفاوض والتطبيع معهم لم تجلب إلا الويلات والدمار، ولم تثمر إلا مزيدًا من التوسع والعدوان.
وأخيرًا، إننا، أمام هذه الغطرسة الصهيونية المتجددة، ندعو الأمة الإسلامية حكومات وشعوبًا، علماء ودعاة، إلى تحمل مسؤولياتها الشرعية والتاريخية، في نصرة الحق، والدفاع عن المستضعفين، والوقوف سدًّا منيعًا في وجه هذا المشروع الإجرامي.
كما نهيب بزعماء الأمة العربية والإسلامية أن يقوموا بواجبهم تجاه هذا الاعتداء السافر على دولة مسلمة تقوم بواجبها الشرعي تجاه شعبها بحفظ الأمن والاستقرار وكف يد العابثين الذين يعتدون على الآمنين في الطرقات ورجال الأمن في مقراتهم.
ونؤكد أن من أعظم صور الوفاء للعقيدة والأمة، الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة هذه المؤامرات، وتربية الأجيال على معاني العزة والكرامة، وتحصينها من دعاوى الخنوع والاستسلام.
نسأل الله أن يرد كيد المعتدين في نحورهم، وأن يحفظ بلاد المسلمين من شرورهم، وأن يوحد صفوف الأمة على كلمة الحق والعدل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين
الأربعاء
21 محرم (1) 1447
16 يوليو (تموز) (7) 2025