حَمْلَةُ كَراهِيَةٍ اسْتَبَقَتْ تَقْرِيرَ “التَّسَلُّلِ الإسْلامِيِّ” وَحَظْرِ جَماعَةِ الإخْوانِ المُسْلِمِينَ في فَرَنْسا، المُقَدَّمَ مِن وَزِيرِ الدَّاخِلِيَّةِ الفَرَنْسِيِّ برونو ريتايو، شَمِلَتْ العَدِيدَ مِن وَسائِلِ الإعْلامِ الفَرَنْسِيَّةِ، وَظَهَرَتْ فَجْأَةً حَوادِثُ مِنْ قَبِيلِ:

  • “سائِقٌ لِحافِلَة (108) بَيْنَ بَلْدَتَيْ جوانفيل لو بون وَشامبيني سور مارن، يَمْنَعُ شابَّةً مِنَ الصُّعُودِ؛ لِأَنَّها كانَتْ تَرْتَدِي تَنُّورَةً قَصِيرَةً. قالَ السّائِقُ لِراكِبَةٍ مَذْهُولَةٍ تُرِكَتْ عالِقَةً عَلَى الرَّصِيفِ: “إِذا أَرَدْتِ الصُّعُودَ، أَنْزِلِي مَلابِسَكِ قَلِيلًا”. أُوقِفَ السّائِقُ عَنِ العَمَلِ بَعْدَ الحادِثَةِ”.

  • “القاعِدَةُ في بَعْضِ الضَّواحِي ذاتِ التَّوَجُّهِ الإسْلامِيِّ، أَنْ تُهانَ مَن ترتدِي مَلابِسَ تُعْتَبَرُ ضَيِّقَةً جِدًّا، أو ترفضُ ارْتِداءَ الحِجابِ”.

  • “في الدَّائِرَةِ ‌التَّاسِعَةَ ‌عَشْرَةَ بِبارِيسَ عامَ (2019)، يَرْفُضُ الْمُوَظَّفُونَ مُصافَحَةَ النِّساءِ اللَّواتِي يَعْمَلْنَ لَدَيْهِنَّ”[1].

  • “في إِبْرِيلَ الْماضِي، تَعَرَّضَ شَمْسُ الدِّينِ، الْبالِغُ مِنَ العُمرِ خَمْسةَ عشَرَ عامًا، لِلضَّرْبِ حَتَّى الْمَوْتِ خَارِجَ مَدْرَسَتِهِ الإعْدَادِيَّةِ في فِيري-شاتيلون؛ بِسَبَبِ «مَسْأَلَةِ شَرَفٍ»”.

  • “بَعْدَ يَوْمَيْنِ، تَعَرَّضَتْ طالِبَةٌ تَبْلُغُ مِنَ العُمرِ ثَلاثَةَ عَشَرَ عامًا، تُدْعَى «سَمارَةَ»، لِلشَّنْقِ خَارِجَ مَدْرَسَتِها الإعْدَادِيَّةِ في مونبليه؛ لِأَنَّها لَم تَكُنْ مُتَدَيِّنَةً بِشَكْلٍ واضِحٍ”.

تُوردُ الكاتبةُ «مارغو داديمار» تَلكما القصّتَيْنِ، ثم تقول: “تصدَّرتْ هاتانِ الحالتانِ عناوينَ الصحف. كيف يمكن أن تكونا مؤشرًا على “الحرب الأهلية الهادئة” التي يصفها جان بول بريغيلي في كتابه؟”[2]، وهو الذي يقول: إن “بعض المعلِّمين مسؤولون عن تسلُّلِ الإسلاميين إلى المدارس”، ويقول: “بقولهم (مِنْ حَقِّي)، يستطيع الطلابُ الآن أن يقولوا إنَّه (مِنْ حَقِّهِم) الاعتقادُ بأنَّ الأرضَ مسطَّحةٌ، تمامًا كما أنَّ من حقهم الاعتقادَ بأنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ أعلى مِن قانونِ الجمهورية”، ويقول أيضًا: “يَشُقُّ الأُصُولِيُّونَ طريقَهم بصبرٍ إلى مدارسِنا. بدأ كلُّ شيءٍ بملابسِ الفتيات، عبرَ وسائلِ التواصُلِ الاجتماعيِّ”[3].

هَذا عَلاوَةً عَلَى حَمْلَةِ تَشْرِيحٍ كامِلَةٍ لِجَماعَةِ الإخْوانِ الْمُسْلِمِينَ في مِصْرَ وَالعالَمِ العَرَبِيِّ وَأُورُوبّا، لا تُدانُ الجَماعَةُ مِن خِلالِ حَيْثِيّاتِها فَحَسْبُ، وَإِنَّما الإسْلامُ نَفْسُهُ، بِشُمُولِهِ وَأَفكارِهِ وَقَواعِدِهِ العُلْيا. حَمْلَةٌ تَنَوَّعَتْ في كُلِّ وَسائِلِ الإعْلامِ الْفَرَنْسِيَّةِ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْها، بَدا مُنْصِفًا، مِمَّا لا يَتَّسِعُ المَقامُ لِذِكْرِ نَماذِجَ مِنْها.

وَرَغْمَ أَنَّها نَماذِجُ قَلِيلَةٌ جِدًّا -عَلَى فَرْضِ صِحَّتِها كُلِّها-إِلَّا أَنَّها يُطَنْطَنُ بِها في كُلِّ وَسائِلِ الإعْلامِ، وَتُتَّخَذُ ذَرِيعَةً لِتَبْرِيرِ ما يُسَنُّ مِنْ قَوانِينَ جائِرَةٍ.

غَيْرَ أَنَّهُ في مُقابِلِ ذَلِكَ، لا يُلْتَفَتُ إِلَى سَلاسِلَ مِنَ الْجَرائِمِ بِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ: ففي 25 إبْرِيلَ الْماضِي، دَخَلَ أوليفييه هادزوفيتش، الْبالِغُ مِنَ العُمرِ (21) عَامًا، مَسْجِدًا في لا غران كومب (غارد)، وَطَعَنَ أَبا بَكْر سيسيه، الْبالِغَ مِنَ الْعُمْرِ (22) عَامًا، سَبْعًا وَخَمْسِينَ طَعْنَةً؛ صَوَّرَ الْمَذْبَحَةَ وَقالَ: “أَنا مَنْ فَعَلَها […] (وَسَبَّ اللهَ)” (تَعالى اللهُ عَمَّا يَقولُ الْمُجْرِمُ عُلُوًّا كَبِيرًا). وبَعْدَ شَهْرٍ، ذَهَبَ كريستوف بيلجيمبي، الْبالِغُ مِنَ الْعُمْرِ (53) عَامًا، إِلَى مَنْزِلِ هِشام مِيراوي، جارِهِ في بُوجييه سور أرجين (فار)؛ لِقَتْلِهِ. قَبْلَ إِطْلاقِ النّارِ، أَعْلَنَ في فِيدْيُو: “اللَّيْلَةَ، نَقولُ كَفى لِلإسْلامِيِّينَ في بَلَدِي”.

هاتانِ الْمَأْساَتانِ لَيْسَتا مَعْزُولَتَيْنِ، فَالْمُسْلِمُونَ -أَوْ مَنْ يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ كَذَلِكَ-أَهْدافٌ دائِمَةٌ لِشَرائِحَ مِنَ الطَّبَقَةِ السِّياسِيَّةِ وَوَسائِلِ الإعْلامِ.

يَقولُ كُتَّابُ دِراسَةِ “الإسْلاموفوبيا… سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنَ الكَراهِيَةِ”، وَهُم: كارولين كوك شودورج، وديفيد بيروتين، وَمارِي توركان، وَخَدِيجَة الزّرْوالِي: “مِنْ خِلالِ تَدْقِيقِنا لِلصَّحافَةِ، مَعَ مُراعاةِ تَنْبِيهاتِ الْجَمْعِيَّاتِ، وَالتَّحَقُّقِ مِنْ مَعْلُوماتِنا الْخاصَّةِ، أَحْصَيْنا حادِثَةً إسلاموفوبِيَّةً واحِدَةً عَلَى الأقَلِّ كُلَّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةِ أَيّامٍ مُنْذُ يَنايِرَ. وَمَعَ ذَلِكَ، وَوَفْقًا لِوَزِيرِ الدَّاخِلِيَّةِ، برونو ريتايو، الْمَسْؤُولِ عَنِ الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ “الإسْلاموفوبْيا” لَيْسَتْ سِوَى “كَلِمَةٍ ابْتَكَرَتْها جَماعَةُ الإخْوانِ الْمُسْلِمِينَ “[4]، وهو تقريرٌ زاخِرٌ بالحوادثِ الإجراميَّةِ بحقِّ المسلمين، سواءٌ أكانت فعليةً أم لفظيةً، بتحريضٍ مُستمِرٍّ ضدَّ المسلمين.

ثم صدَرَ التقريرُ…

يتكوَّنُ التقريرُ من 76 صفحةً، وهناكَ 20 صفحةً محجوبةً لأسبابٍ أمنيَّةٍ، أو رُبَّما يَتَّصِلُ ذلكَ بعلاقاتِ فرنسا الخارجيّةِ (أو لِنَقُلْ دون مُبالَغَةٍ: لأسبابٍ “صَليبيَّةٍ”).

ووَفْقًا لِواضِعي هذا التقريرِ، يُوجَدُ في فرنسا “ما مجموعُهُ 139 “دارَ عبادةٍ” (مسجدًا أو مركزًا إسلاميًّا) تابِعةً لـ “اتحاد مسلمي فرنسا”، وهم “الفَرعُ الرَّئيسيُّ لِجماعةِ الإخوانِ المسلمينَ” في البلادِ.

بالإضافةِ إلى هذه الأماكنِ، هناكَ “68 دارَ عبادةٍ تُعتَبَرُ قريبةً من الاتحاد”، وبذلكَ، فإنَّ هذه الأماكنَ الدينيّةَ القريبةَ من جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ تُمثِّلُ “7% من أصلِ 2800 “مكانِ عبادةٍ إسلاميٍّ” مُسجَّلٍ على التُّرابِ الوطنيِّ و10% من تلكَ التي تمَّ افتتاحُها خلالَ الفترة 2010-2020 (45 من أصلِ 447)”.

وبحسبِ مُعِدِّي التقريرِ، فإنَّ هذا يُمثِّلُ كلَّ يومِ جُمعةٍ (يومَ العبادةِ في الإسلام) “91 ألفَ مُصلٍّ في المتوسِّطِ”.

وفي حينِ أشارَ المسلمونَ الفرنسيونَ إلى انتمائِهم إلى 53 جمعيَّةً، وَفقًا للتقرير، فإنَّ 280 جمعيَّةً “مرتبطةً بالحركةِ، تعملُ في العديدِ من القطاعاتِ المحيطةِ بحياةِ المسلمينَ (ليس فقط الدينيَّةِ، ولكن أيضًا الخيريَّةِ والتعليميَّةِ والمِهنيَّةِ والشبابيَّةِ أو حتّى الماليَّةِ)”.

وإلى جانبِ المساجدِ، سلَّطَ التقريرُ الضوءَ أيضًا على حضورٍ قويٍّ لجماعةِ الإخوانِ المسلمينَ في المدارسِ الفرنسيَّة، وذكر المؤلِّفون أنَّ “قطاعَ التعليمِ يبدو أولويةً للفرعِ الفرنسيِّ لجماعةِ الإخوانِ المسلمين”.

وتمَّ تحديدُ 21 مدرسةً مرتبطةً بجماعةِ الإخوانِ المسلمين؛ 18 منها مرتبطةٌ ارتباطًا مباشرًا، و3 منها قريبةٌ. وإجمالًا، تأثَّر حوالي 4200 طالبٍ خلالَ العامِ الدراسيِّ الحالي.

ووَفْقًا لمُعِدّي التقريرِ، تتطوَّر حولَ هذه المؤسَّساتِ الدينيَّة «منظوماتٌ إسلاميَّة»، تشمل: «دوراتِ تعليمِ القرآنِ الكريم»، و«الجمعيَّاتِ الخيريَّة»، و«الثقافيَّة»، و«المشاريعَ المجتمعيَّة»، و«الأنشطةَ الرياضيَّة». هذه الخدماتُ، التي تتجذَّر “في الأحياءِ ذاتِ الأغلبيَّةِ المسلمةِ الفقيرةِ عمومًا”، “تلبي احتياجاتِ السكَّان”، ومع ترسيخِ هذه المنظومةِ “أصبحت المعاييرُ الاجتماعيَّة” مثلَ ارتداءِ «الحجاب»، و«إطلاقِ اللحية»، و«احترامِ صيامِ رمضان»، «ضروريَّةً»، كما يصفُ التقريرُ!

ويلفتُ التقريرُ الانتباهَ أيضًا إلى “الأهميَّةِ المتزايدةِ للمؤثِّرينَ الإسلاميينَ”، “الدعاةِ من الجيلِ الثاني” على منصَّاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ، والذين يُشكِّلونَ أيضًا “تهديدًا للتماسُكِ الوطنيِّ”، وَفقًا لنصِّ التقرير.

وفي الختامِ، يُعربُ المُعِدُّون عن قلقِهم إزاءَ “نجاحِ استراتيجيَّةِ المَأْسَسةِ والاحترامِ» التي تنتهجُها جماعةُ الإخوانِ المسلمينَ في فرنسا، والتي تهدفُ إلى “إحداثِ تغييراتٍ تدريجيَّةٍ في القواعدِ المحليَّةِ أو الوطنيَّةِ المطبَّقةِ على السكَّان، وفي مُقدِّمتِها النظامُ القانونيُّ للعلمانيَّةِ والمساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة”.

هذا الكلامُ كلُّه لا يعني «الإخوانَ المسلمينَ»، بل «المسلمينَ»؛ فكلُّ ما يورده التقريرُ مشاريعُ إسلاميَّةٌ اجتماعيَّةٌ وتعليميَّةٌ دينيَّةٌ بحتةٌ، لا علاقةَ لها بسياسةِ جماعةٍ إسلاميَّةٍ معيَّنةٍ؛ فاحترامُ صيامِ رمضان، أو الإيمانُ بالحجاب، أو إطلاقُ اللحية، ليس عملًا مخصوصًا للجماعةِ المذكورةِ بطبيعةِ الحال.

يَبْقَى لدى فرنسا إشكالاتٌ ستكونُ بحاجةٍ إلى حَلِّها قبلَ مواصلةِ حربِها على الإسلام…

 

                                                                                                    للحديثِ عنها بقيَّةٌ…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تلك الحوادث الثلاث نقلاً عن صحيفة لي ديفوار، 23/5/2025

[2] بريغيلي هو أستاذٌ مشاركٌ في الأدب الحديث، وهو كاتبُ مقالاتٍ ومُتخصِّصٌ في قضايا التعليم، وهو مؤلف كتاب La Fabrique du crétin (2005)

[3] لي فيغارو 2/9/2024

[4] مجلة ميديا بارت الفرنسية، 4 /7/2025. يراجع تفاصيل التقرير المهم على الرابط:

↩︎ https://www.mediapart.fr/studio/panoramique/la-haine-six-mois-d-islamophobie-en-france

اترك تعليق

نشرتنا البريدية

إشترك معنا لكي يصلك كل جديد

التواصل الاجتماعي

بيانات التواصل

905539590432+
rabitah.maktab@gmail.com
رابطة علماء المسلمين

© جميع الحقوق محفوظة لدي رابطة علماء المسلمين 2023 برمجة أنيما ويب