الجمعة ، 17 ربيع الأول ، 1446
section banner

الاقتتال الداخلي بين الفصائل المجاهدة في سوريا

الاقتتال الداخلي بين الفصائل المجاهدة في سوريا

 

 

البيان رقم (37)

الموضوع

الاقتتال الداخلي بين الفصائل المجاهدة في سوريا

التاريخ

 5 /  4 / 1435هـ   5 / 2 / 2014م

 الحمد لله القائل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(135)﴾سورة النساء. والصلاة والسلام على رسول الله المصطفى وخير خلقه المجتبى، ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد:

فإن رابطة علماء المسلمين تتابع القضية السورية وتوليها اهتمامًا خاصًا، وتدعم الشعب السوري وجهاده بكل السبل المشروعة ، وترصد عن كثب -وبقلق بالغ- الوضعَ المتصاعد بين بعض الجماعات الجهادية وفقها الله ووقاها الفتن.

إلا أنه مما يثير القلق البالغ ، والاستياء الشديد: التجاوزات الشنيعة ،والعدوان المتواصل ،الذي استفاضت أخباره ،من قِبَل الفصيل المسمى "تنظيم الدولة"  وما يمارسه من تعدٍّ وظلم وتكفيرٍ للمخالف، وإسراف وتهاون في سفك الدماء المعصومة، والاستيلاء على الأموال المحترمة، وإعراضه شبه الكامل عن توجيه سلاحه للعدو الأسدي؛ ليكون شغله الشاغل بسط نفوذه على الأراضي المحررة، منشغلاً بقتال إخوانه، والزجّ بأتباعه ليكونوا وقوداً لحرب عبثية يسفك فيها الدم الحرام، مع إعراضه عن الدعوات المتوالية لتحكيم شرع الله تعالى.

وقد آثرت الرابطة التريث في إصدار كلمتها وتحديد موقفها ، مع دعمها مبادرات الصلح والتحاكم للشرع التي قام بها عدد من أهل العلم والفضل، وساهم فيها بعض أعضاء الرابطة، امتثالا لقول الله تعالى: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وعلى أمل أن تفيء الطائفة الباغية للحق.. ولكن للأسف! لم يزدد الامر إلا سوءًا، ولا هذه الطائفة إلا بغيًا وغيًا؛ فلم يكن للرابطة من بدٍّ - قيامًا بما  أخذ الله تعالى على أهل العلم من بيان الحق للناس وعدم كتمانه- أن تصدر بيانها وتحدد موقفها الذي تدين الله به، فنقول وبالله التوفيق:

أولاً: إن ما يحدث بين بعض الفصائل الجهادية من خلاف -وصل حد الاقتتال والتخوض في الدماء والأعراض بغير برهان- هو شر كبير وفتنة عظيمة , يناقض مقصود الجهاد الذي قام في سوريا منذ بداية الثورة ، ويهدر عطاء وجهود تلك الدماء الزكية للشهداء الأبرار الذين قضوا نصرةً للحق ودفعًا للظلم الواقع على الشعب السوري المسلم.

ثانياً: في هذا الوقت العصيب تظهر الأهمية الكبرى للعلم الشرعي وأهله ، فَهُم المخرج بعد الله تعالى من هذه الفتن المظلمة, فلابد أن يكون الرجوع الصادق إليهم في تحكيم الكتاب العزيز والسنة المطهرة، والصلح بين المتخاصمين.

وإن أهل الإيمان ليفرحون بالصلح بين المسلمين ويعتبرونه غاية كبرى ونعمة عظمى ؛ كما قال تعالى: ( وَالصُّلحُ خَيرٌ) وقال سبحانه: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)) [النساء]، وإنّ رفض جميع مبادرات الصلح من مجموعة بعينها نذير سوء ومفتاح شر. 

ثالثاً: لا يرد التحاكم للشرع مطلقا إلا منافق أو مفتون كما قال تعالى :  ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) [النساء : 60،61]، وقال تعالى في صفة أهل الايمان : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].

رابعاً: إن انفراد فصيلٍ من المسلمين أو المجاهدين في إعلان إقامة دولة إسلامية  ليس لها وجود حقيقي أو مقومات على الأرض، وعقد البيعة العامة من غير أن يتم ذلك بطريقته الشرعية وبشروطه المرعية؛ إنما هو استبداد وجهل بالشرع والواقع، جاء في الصحيحين - ولفظه عند البخاري - أن عمر رضي الله عنه قال: ( مَنْ بَايَعَ رَجُلاً مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلا يتابَع هو ولا الذي تابعه؛ تَغِرَّةَ أن يُقتلا).

 ثم ماذا يكون الأمر لو قام فصيلٌ ثانٍ وثالث بنفس العمل وإقامة دول أخرى على نفس الأرض وبنفس الضعف؟! ومن هنا تنشأ إشكالات كثيرة يكفي تصورها في بيان بطلان وضرر تلك التصرفات على إقامة الدين والدولة معا.

خامساً: ومن أسوأ آثار إقامة هذه الدولة المزعومة فيما يتعلق بالدماء والحقوق؛ الحكم على كل من لم يبايع أمير هذه الدولة بأنه خارجي، وسحب جميع أحكام الخوارج البغاة عليه، مما يُسَوِّغ محاكمةَ وأسرَ وتعذيبَ وقتلَ كلِّ من خالفها -كما يشهد لذلك الواقع الأليم -  وفي هذا من الفساد والبلاء ما اللهُ به عليم.

 سادساً: لايشرع إقامة الحدود في الجهاد– على فرض وجود الدولة الإسلامية التي يناط بها إقامة الحدود- لحديث بسر ابن أبي أرطأة : {أن النبي نهى أن تقطع الأيدي في الغزو}أخرجه أحمد وأبو دواد والترمذي وصححه الألباني.

كما أن الحدود أيضا- تُدرأ بالشبهات.. ففي فتح القدير : "أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تُدرأ بالشبهات ، والحديث المروي في ذلك متفق عليه ، وتلقته الأمة بالقبول".

 فإذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات في السلم؛ فدرؤها في الحرب أولى، وإذا كان ذلك في حق عامة الناس؛ ففي حق المجاهدين أولى وأحرى.. وأما ما يفعله البعض من أسر إخوانهم المجاهدين وتعذيبهم وقتلهم؛ فهذا منكر عظيم، ووباله كبير على فاعله في الدنيا والآخرة، وهذا الفعل له دلالات ظاهرة على خبث فاعله، وتستدعي الشك في ديانته ومقاصده.

سابعاً: تخاطب الرابطة عموم المجاهدين بقول قائدهم أجمعين e الذي قال:(إنما الطاعة في المعروف) وقال: (فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وكلاهما في الصحيحين، فلا يجوز لمجاهد أن يطيع أميره بقتل إخوانه المجاهدين واستباحة أعراضهم بغير حق، وإنما خرج من بيته يبتغي حفظ دماء المسلمين وأعراضهم.؟!وقد قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه, وقد امتنع ابن عمر رضي الله عنهما من تنفيذ أمر أميره في الغزو خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل أسرى بني جذيمة , فأيده النبي e ولامَ خالداً ؛كما في البخاري.

ثامناً: توصي الرابطة المجاهدين بالاستمرار في الجهاد الشرعي المنضبط بالكتاب والسنة حتى إسقاط النظام النصيري وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، و تؤكد على وجوب وحدة الكلمة والاجتماع تحت قيادة موحدة متعاونة على البر وقائمة بالعدل، وقد قال تعالى :( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ  وَاصْبِرُوا) الانفال 46.

تاسعاً: تدعو الرابطة جميع فصائل الجهاد إلى تقوى الله عز وجل والبعد عن مسالك أهل البغي والغلو، كما تدعو قادة الفصيل الرافض لجميع مبادرات الصلح إلى مراجعة موقفه غير الشرعي، وتحذره من مغبة استحلال دماء أهل القبلة بدعاوى مردودة، وقد قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور31، وتدعو أنصارهم إلى وجوب الأخذ على أيديهم، أو الانصراف عنهم إلى جهادٍ لا بغي فيه.

عاشراً: الحكم الشرعي في بغي إحدى الطائفتين على الأخرى هو ما جاء في قول الله تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات: ٩.

وختاماً: يا معاشر المسلمين، استوصوا بالشام خيرا، ولا يصدنكم مثل هذه الأخطاء عن دعم إخوانكم؛ فإن الشام هي خلاصة الأمة في الماضي والحاضر والمستقبل ؛ تحت كل حجر من أحجارها رفات مجاهد، وفي نُسغ[1] كل عرق أخضر دماء شهيد ؛ ذكر صاحب تاريخ دمشق عن الوليد بن مسلم قال: (دَخَلت الشامَ عَشَرةُ آلاف عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم)

نسأل الله تعالى أن يلهم  المجاهدين رشدهم ويوفقهم لكل خير، وأن يكفيهم شر الأشرار وكيد الفجار، وأسباب النزاع والشقاق والفشل وطرائق البغي ومسالك الغلو.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه,,


[1] النُسْغ: ماء يخرج من الشجرة إذا قطعت