الجمعة ، 17 ربيع الأول ، 1446
section banner

بيان رابطة علماء المسلمين في حادثة اغتيال المجاهد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس

بيان رابطة علماء المسلمين في حادثة اغتيال المجاهد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس

الحمد لله القائل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169 – 171].

 والصلاة والسلام على رسوله القائل: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا، ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ» رواه أبو وغيره وصححه الألباني. أمّا بعد:

فإننا في رابطة علماء المسلمين، ننعى ونعزّي أهلنا وإخواننا في غزّة خاصةً وفلسطين والأمّة الإسلامية عامّةً في فقدنا الجلل للأخ المجاهد الشهيد / إسماعيل هنية "أبوالعبد"، -نحسبه كذلك- الذي اغتالته يد الغدر في طهران بإيران، والذي كان رحمه الله تعالى مثالًا للثبات في الجهاد والصبر، حيث قدم تضحيات جمة، مع رباطة جأش ومصابرة وإصرار على الرباط والجهاد، قدم أبناءه وأحفاده وأهله. 

وإن هذه الجريمة الآثمة التي باشرتها يد الكيان الصهيوني الغادرة الفاجرة التي تعجز عن مواجهة الرجال في ميدان المنازلة في أرض العزة في فلسطين عامة وغزة خاصة لتصب جام غضبها وانتقامها على الأطفال والنساء والعزل من الرجال الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، ثم تأتي لتستهدف رجل سياسة أعزل، يمثل اغتياله في عرف القوانين والأعراف الدولية جريمة تستوجب عقاب وردع من يقدم عليها!

إن مسئولية هذه الجريمة الغادرة لا تقع على عاتق كيان الغدر والخيانة وحده؛ بل يشاركه فيها أصالة فيها كل أولئك الذين يمدونهم بالأسلحة والدعم، بل بتكريم رأس هذه العصابة الذي أدانته المحاكم والهيئات الدولية واعتبرته مجرم حرب؛ فإذا به يستدعى في أكبر معاقل أمريكا ليحاضر العالم عن الحضارة والإنسانية!

كما يتحمل تبعة هذه الجريمة تلك الدول العربية والإسلامية التي حاصرت أهل غزة وسكتت عن إجاعتهم وإبادتهم، وأوصدت أبوابها في وجه قادة غزة وسياسييها ورجالات المقاومة وولت ظهرها قبل الكيان الصهيوني دعمًا وتشجيعًا على مواصلة جرائمه سواء أكان ذلك سرًّا أو علنًا!

وإذا كان هؤلاء وأولئك يراهنون على أن استهداف قادة المقاومة ورموزها من شأنه أن يضعف شوكتها أو أن يفت في عضدها فهم واهمون، فهذه الأمة أُمَّة ولودٌ، كلما ترجل فارس أعقبه فارس آخر أكثر مضاءة منه وإصرارًا في طريق الجهاد، والتاريخ الحديث والقديم خير شاهد على ذلك، وصدق الله العظيم القائل: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 146-148].  

وإن الأمة اليوم رجالًا ونساء وفي مقدمتهم أهل العلم والدعوة، وأهل الفكر والسياسة، وأصحاب الأموال مدعوون أن يروا الله من أنفسهم خيرًا في نصرة إخوانهم في فلسطين، ومد يد العزاء الصادق لمصابهم الجلل، ولا ينبغي لهم الاحتجاج بمواقف الخذلان من كثير من حكوماتهم؛ فإن الفتنة لا تصيب الذين ظلموا وحدهم بل تشمله وغيرهم؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 24، 25].

  وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرءًا مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فيه من عرضه، إلا خذله الله تعالى فِي مَوَاطِنَ يُحِبُّ فِيهَا نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امرئ ينصر امرءًا مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وينتهك فيه من حرمته إلا نصره عز وجل فِي مَوَاطِنَ يُحِبُّ فِيهَا نُصْرَتَهُ». رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

والله نسأل أن يتقبل فقيد الأمة إسماعيل هنية في الشهداء والصالحين، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يخلف على الأمة خيرًا، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنَّا بعده واغفر لنا وله. قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]

 

الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين

25 محرم1446هجري

الموافق له 31 يوليو 2024م