الخميس ، 19 جمادى الأول ، 1446
section banner

قراءة بيان رابطة علماء المسلمين بشأن استمرار الحرب الظالمة على غزة

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان رابطة علماء المسلمين
بشأن استمرار الحرب الظالمة على غزة
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
فكأن العدو الصهيوني الآثم وحلفاءه المشاركين له لم يكتفوا بآلاف الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين العزل الذين قضوا في أكبر جريمة إبادة في العصر الحديث في حق شعب أعزل على مراى ومسمع من العالم أجمع بل بمشاركة ومباركة من دوله العظمى!! كأنه لم يكتف بذلك ليستأنف عدوانه بإجرام أشد مع صمت مخزٍ من الدول العربية والإسلامية؛ ليواصل حربه الظالمة لإبادة واستئصال لأهل فلسطين، وإزاءَ هذا الحدث الجلل والخطب العظيم فإنّ علماء المسلمين يدعون الأمّة الإسلامية أن تقوم بما أوجبه الله على أهل الإسلام من نصرة إخوانهم المستضعفين في غزة خاصة وفلسطين عامة، قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72] وإذْ تتولى الرابطة الإعلان عن ذلك تؤكد على ما يلي:
أولًا: إنّ هذه الحرب التي يشنَّها الكيان الصهيونيّ وحلفاؤه على غزة هي جريمة إبادة لشعب كامل أعزل، وهي حرب دينية–كما أعلن أربابها ومتولو كبرها- وهي امتداد للحروب الصليبية التي لم تتوقف يومًا وإن تعددت صورها وأشكالها؛ كما قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وإن دخول الغرب في هذه المعركة بشكل مباشر كما تفعل أمريكا بتدخلها المباشر في الحرب ومدها الكيان الصهيوني بأسلحة فتاكة بما يساعدها على إبادة الشعب الفلسطيني، وأخيرًا ما قامت به بريطانيا بإرسال طائراتها في سماء المعركة؛ فإن كل ذلك سيحولها إلى حرب أممية لا تبقي ولاتذر!
ثانيًا: إنّ عملية طوفان الأقصى وغيرَهُ من صور المقاومة للكيان الصهيونيّ هو جهادُ دفع، وإنّ قيامَ المسلمين بنصرة أهل غزة ونجدتهم هو جهادُ دفع أيضًا، وجهاد الدفع واجب عينيّ، يلزم استمراره حتى إماطة العدوان عن ديار الإسلام، فإن لم يكف أهل البلد لرد العدوان امتد الوجوب إلى من جاورهم حتى يعم الأمة كلها.
قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39، 40]
وإذا كان أهل الكفر والباطل يتداعون لنصرة هذا الكيان الصهيوني المعتدي الأثيم بكل سبيل ويعلنون ذلك صراحة ويتفاخرون به بلا خجل أو حياء؛ فأولى بأهل الإسلام من الحكام والشعوب المسلمة أن يبادروا بما أوجب الله عليهم من دفع هؤلاء المعتدين ونصرة إخوانهم المستضعفين المظلومين.
وعلى الدول العربية والإسلامية تفعيل قرارات مؤتمرها الذي انعقد في الرياض في السعي الحثيث لإيقاف العدوان الصهيوني الأثيم بكل سبيل، وفي إيصال المساعدات الإنسانية إليهم، وألا تبقى هذه القرارات مجرد حبر على ورق! وتحذر الرابطة من عاقبة هذا الصمت العربي والإسلامي؛ فإنه سيدفع الشعوب لتجاوز الدول بشكل أو بآخر، وعندها ستكون العواقب غير محكومة ولا محمودة!
ثالثًا: وما ينطبق على أهل غزة من الأحكام السابق ذكرها ينطبق على غيرهم من أهل الثغور، كالشعب السوري المسلم، الذين يحارَبون في نفس التوقيت من نظام الأسد وأنصاره الروس المجرمين وصفوية إيران الأكثر إجرامًا؛ لأنّ قضايا أمتنا قضيةٌ واحدة، وحربها واحدة وسلمها واحدة، ولأنّ عدوها مشروعٌ إجراميٌّ واحد، لا فرق فيه بين صهيونية وصليبية وصفوية، فجميعها وجوه لمشروع واحد هو هدم الإسلام، وقد قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً } [التوبة: 123].
رابعًا: على الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين أن تُثْبِتَ للشعوب المسلمة أنّها سالمةٌ من الموالاة لأعداء الله وبارئةٌ من تهمة المظاهرة للكافرين على المسلمين، وذلك بأن تقوم هذه الأنظمة بالحدّ الأدنى من الموالاة للمسلمين والمعاداة للكافرين، والذي لا يتحقق على المستوى السياسيّ إلا بطرد سفراء الكيان الصهيونيّ وقطع العلاقات معه، فإن لم تفعل فهي واقعة تحت طائلة الحكم الوارد في الآية الكريمة بلا أدنى تأويل: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51).
وعلى الدولة المصرية القيام بواجبها التاريخي والأخلاقي والإنساني، قبل أن يكون واجبها الإسلامي، فهي صاحبة السيادة على المعبر الوحيد لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية لأهل غزة، ولا يمكن أن تبرأ ساحتها من المشاركة في هذه الإبادة الجماعية إلا بذلك.
خامسًا: يؤكد العلماء على أنّ المقاومة الفلسطينية الإسلامية بكافّة فصائلها هي من الطائفة المنصورة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل السنة والإسلام؛ فعَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ) وفي رواية لمسلم (1037) (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ).
فهذه الطائفة المجاهدة الظاهرة هي القلب النابض لأهل السنة على مرِّ الزمان، فلا تحاول الصفويةُ الإيرانية الخبيثة - بمشروعها الإجراميّ الذي لا يستهدف إلا أهل السنة - أن ترقص على حبال متشابكة لتنسب لنفسها بطولات صاغتها دماء أبناء غزة الطاهرة، فقضية فلسطين وجميع قضايا الأمة بريئة من النظام الصفويّ الإيرانيّ، الذي لم يعرف له عبر تاريخه كله أي جهاد ضد أعداء الإسلام، ولم يرفع سيفه إلا على أهل السنة!
وتدعو رابطة علماء المسلمين الدول العربية والإسلامية إلى القيام بواجبها في نصرة فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية، والقيام بواجب النصح لها، وألا تخذلها وتضطرها للجوء إلى الدولة الصفوية التي تسعى جاهدة لتوظيف ذلك في تبييض صفحتها والترويج لمذهبها الضال ومشروعها الإجرامي.
سادسًا: يحذر علماء المسلمين من المؤامرة الخبيثة على أهل فلسطين عامة وأهل غزة خاصة التي بدأت ملامحها تتشكل على الأرض وتظهر في تصريحات أكابر مجرميها، والتي تدور حول تهجيرهم قسريًّا من خلال اعتماد سياسة الأرض المحروقة التي يمارسها العدو الصهيوني باستخدام القنابل الأمريكية الهائلة التي تحصل عليها والتي يصبها فوق رءوس المدنيين، ويحذر علماء المسلمين أي دولة أو نظام تسول له نفسه أن يكون شريكًا في هذه الخيانة العظمى مقابل دولارات معدودة ومصالح موهومة.
سابعًا: لا ريب أنَّ عاقبة ما يجري اليوم على أرض فلسطين عامة وغزة خاصةكلها خير بإذن الله تعالى، فسواء تحقق النصر الكامل والحسم العسكريّ لأهل غزة وللمقاومة أو تأخر لحكمة يعلمها الله - وإنّه لقريب بإذن الله - وها هي المقاومة ثابتة وصامدة؛ تُلْهِم بهذا الثبات والصمود الجيلَ كله، وتنفض اليأس والقنوط عن كاهل المسلمين، وتبعث الأمل في قلوبهم، وها هي الأنظمة الخائنة والمتآمرة تزداد انكشافًا وافتضاحًا؛ ليتحقق مقصود عظيم من مقاصد الصراع بين الحق والباطل وهو استبانة سبيل المجرمين وفضح حقيقتهم وهتك أسرارهم؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]؛ لتعلم الشعوب من اليوم طريقَها معها، وها هي شعوب العالم تقرأ الإسلام على حقيقته في مشاهد الصمود والعظمة والإنسانية الراقية؛ فتعلم أنّها على موعد قريب مع الدين الذي سيلبي فطرتها ويحقق إنسانيتها ويخرجها من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
ثبت الله المجاهدين ونصر عباده المؤمنين وألف برحمته بين قلوب المسلمين، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].