الثلاثاء ، 7 ذو الحجة ، 1446
section banner

حكم اجتماع الجمعة والعيد

حكم اجتماع الجمعة والعيد

 

الحمد لله  والصلاة والسلام على رسول الله  وبعد: 

فإنه إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فإن لأهل العلم في ذلك أقوالاً ثلاثة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الرابع والعشرين من مجموع الفتاوى :  

القول الأول : أن الجمعة تجب على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة وهذا قول الحنفية والمالكية .

والقول الثاني : أنها تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالي ومن هم خارج الأمصار ،لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد [ أخرحه مالك في الموطأ] ،وهذا هو قول الشافعية .

والقول الثالث: أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من لم يشهد صلاة العيد ومن شاء شهوده الجمعة ممن صلى العيد ، وهو قول الحنابلة. 

وأقوى الأقوال في ذلك والله أعلم هو ما ذهب إليه الحنابلة من سقوط الجمعة عمن صلى العيد غير الإمام ،وذلك لما ثبت في السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (  قد اجتمع فى يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجِّمعون ).[ أخرجه أبو داود (1073) وابن ماجه (1090 ) وصححه الألباني] 

وعن إياس بن أبى رملة الشامي قال: ( شهدت معاوية بن أبى سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم : أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيدين اجتمعا فى يوم؟ قال: نعم، قال كيف صنع؟ قال : صلى العيد ثم رخص فى الجمعة فقال : من شاء أن يصلى فليصل ).[ أخرجه أبو داود (1070) والنسائي (1590) وابن ماجه (1089) وقال الإمام النووي في المحموع (4/492) : إسناده جيد ،وكذا صححه الألباني  ]. ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد ،ومن شأن الشارع كما يقول الإمام ابن تيمية :  ( أنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل احداهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل وأحد الغسلين في الآخر).[ محموع الفتاوى 24/112].

ثم إنه مما ينبغي التنبيه عليه هنا ،أن هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ ، فلا يُنكر على من أخذ بأيٍّ من الأقوال السالفة . كما أن غايةَ ما رجحناه هو أن يكون ترك الجمعة لمن حضر العيد رخصةً من الرخص ،من شاء أخذ بها ومن شاء تركها . فعلى كل الأقوال لا يمتنع على مَن شهد صلاة العيد أن يشهد الجمعة ، بل قد يكون شهودها هو الأحوط لمن أراد الخروج من الخلاف . 

لكن يجب على من لم يحضر الجمعة ممن شهد صلاة العيد أن يصلي الظهر في وقتها ،وذلك لعموم النصوص الدالة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة ، وقد جاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ما قد يفهم منه خلاف ذلك وهو ما أخرجه أبو داود في سننه عن عطاء بن أبي رباح قال : ( صلى بنا ابن الزبير رضى الله عنهما فى يوم عيد فى يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً ،وكان ابن عباس رضى الله عنهما بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة).[ أخرجه أبو داود (1071) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ] .

ففِعل ابن الزبير قد يفهم منه سقوط الظهر عمن شهد العيد ،وهو قول عطاء ،وإليه مال الشوكاني في نيل الأوطار ( 3/ 335) ،ولكن الصحيح -والله أعلم- أنه لا يدل على ذلك ؛ لاحتمال أن يكون ابن الزبير قد صلى الظهر في بيته ،أو أن تكون الصلاة التي صلاها بهم أول النهار هي صلاة الجمعة لا العيد ،ويقوي هذا الاحتمال ما جاء في رواية وهب بن كيسان عند النسائي : ( اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ، ثم نزل فصلى ، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب السنة ) .[ أخرجه النسائي (1591) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي]، فهذا يدل على أنه صلى بهم الجمعة لا العيد لأنه قدَّمَ الخطبة على الصلاة ،والقول بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال هو قول لبعض أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله ، ولذا قال أبو البركات ابن تيمية في المنتقى بعدما ساق الرواية المتقدمة عن ابن الزبير رضي الله عنهما : ( إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها وأجتزأ بها عن العيد ) . هذا والله تعالى أعلى وأعلم .

عبد الآخر حماد -عضو رابطة علماء المسلمين 

4 من ذي الحجة 1446هـ-31/ 5/ 2025م.