الأحد ، 11 ذو القعدة ، 1445
section banner

العدوان الإيراني على باكستان.. النقاط والحروف (2-2)

العدوان الإيراني على باكستان..  النقاط والحروف (2-2)

 

نقاط أخرى على حروف الأزمة

سلطت الأحداث الأضواء على "جيش العدل" السني البلوشي في إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، وجهاده من أجل تحرير الأقلية البلوشية السنية التي تحتل إيران أراضيها. والملاحظ أن الحزب الذي يتبنى خطاباً جهادياً لتحرير إقليم بلوشستان الذي تحتله إيران، يركز نشاطه على نظام إيران، وتحديداً على القوات العسكرية والنظامية الأمنية في إيران بخلاف تنظيمي القاعدة وداعش، وينشط في بيئة بلوشية حنفية، وتقول بعض الأدبيات المنسوبة إليه أن يدعو إلى: 

1- رفع راية التوحيد "لا إله إلا الله"، وإخراج كل مظاهر الشرك من جميع الأراضي البلوشية في بلوشستان الغربية المحتلة من إيران.

2- ضرب وإضعاف الآلية العسكرية الإيرانية في جميع أرجاء بلوشستان، وإرباك النظام وإشغاله داخليا.

3- الدفاع عن أهل السنة في مختلف دول العالم؛ حيث قام تنظيم "جيش العدل" بعمليات عسكرية؛ ردا على الدعم الإيراني لرئيس النظام السوري بشار الأسد في مواجهته ثوار سوريا.

4- إرجاع حقوق البلوش المسلوبة من ملالي طهران: "حقوق المواطنة، حقوق الأرض، الكرامة، حقوق الإنسان، ثروة البلاد المسلوبة وجوع الأهالي".

وكذلك يدعو التنظيم إلى وحدة الشعب البلوشي واستقلاله عن إيران وباكستان وأفغانستان، وينفي الجيش أن يكون لديه مقرات في باكستان، ترعاها أو لا ترعاها الحكومة الباكستانية. ومع أن الجيش الذي يلاحقه النظام الإيراني، غير مشتهر بمهاجمة "المدنيين"، إلا أن الولايات المتحدة تضعه على قوائم الإرهاب لديها، مثلما يضعه النظام الإيراني كذلك على قائمة الإرهاب لديه! ومن غير المعروف عن "الجيش" أنه يستهدف مدنيين، وإنما يُعرف عنه وفقاً لأدبياته، وآراء باحثين مختصين في شأن الجماعات أنه محض حركة تحررية تطالب بـ"الاستقلال" أو حتى "انفصالية"، تتمرد على نظام، وتواجهه ميدانياً في ساحة عسكرية محضة، وهي ذات طابع سني قومي لا يمتد نشاطها خارج حدود "بلوشستان". 

وبالتالي؛ فإن أول مستفيدة من إدراج واشنطن لـ"جيش العدل" كتنظيم إرهابي هي إيران. 

كذلك؛ فإن الجيش يواجه تعتيماً إعلامياً لافتاً، بخلاف القوى البلوشية التي تتلقى دعماً إيرانياً لإحداث قلاقل في إقليم بلوشستان الباكستاني. ولهذا؛ فإن أي باحث أو متابع لشؤون الجيش سيصادم بحذف أي منشور للجيش فوراً من وسائل التواصل، وشح المعلومات المتوافرة عنه، سوى من مصادر استخبارية غربية وعربية مغرضة. 

وسلطت الضربات الإيرانية والباكستانية الضوء أيضاً على الأقلية البلوشية في كل من باكستان وإيران، وكذلك في دول أخرى تعيش فيها أقليات بلوشية صغيرة، فتلك الأقلية تمتد من أفغانستان شمالاً إلى دول الخليج جنوباً، ومن باكستان شرقاً إلى إيران غرباً. وتقول المصادر الباكستانية إن أعداد البلوش في إقليميها بلوشستان، والسند، تجاوز 7 ملايين بلوشي، وتقدر المصادر الإيرانية تعداد البلوش في إقليم سيستان وبلوشستان بنحو 3 ملايين بلوشي سني، وفي أفغانستان يُقدر عددهم بنحو 600 ألف، وفي سلطنة عمان نحو 300 ألف، والإمارات العربية المتحدة بنحو 100 ألف، إلا أن الأعداد في باكستان وإيران تحديداً لا يمكن الاعتماد عليها أكاديمياً نظراً لرغبة الدولتين في التقليل من المشكلة البلوشية لديها، لاسيما عند الحديث عن توزيع الثروات الإقليمية.

ويعاني البلوش في كل البلدان تقريباً من الفقر والتهميش، ويضطهدون في إيران دينياً، ولا يحظون بـ"المواطنة الكاملة" في باكستان، نظراً لأن بعض العرقيات تعتبر البلوش أقل درجة قومياً. أما البلوش أنفسهم فيعتبرون على نطاق واسع أن أصلهم عربي، ممتد إلى سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقد خضعت أرض البلوش للحكم الإسلامي الممتد إلا أنها في القرن سابع العشر الميلادي قد انفصلت وكونت خانية مستقلة، ثم استولى عليها البوسعيديون، منذ أن تنازل خانها عنها إلى سلطان بن أحمد بن سعيد في سنة 1784م إلى أن تنازل عنها السلطان سعيد بن تيمور إلى باكستان مقابل ثلاثة ملايين دولار أمريكي سنة 1958م! وخاضت مجموعات من البلوش محاولات عسكرية في كل من باكستان وإيران منذ السبعينات، بعضها بغرض الاستقلال التام عن الدولتين، وبعضها للمطالبة بتوزيع عادل للثروة، حيث تتمتع أرضهم بثروات (منها حقل سوي للغاز)، لا يكاد أهلها يفيدون من وجودها.  

لأول وهلة يبدو العدوان الإيراني نَزِقاً لجهة استعداء دولة جارة، لديها مصالح مشتركة معها، ودولة نووية قوية في الوقت نفسه، وهو إذ يتسق مع سلوك إيران العدواني تجاه كل ما هو سني في العالم، إلا أنه لا يمكن الاستخفاف به، وحصره في الطبيعة العدوانية للنظام الشيعي وكراهيته للدول الإسلامية، بتجريده من إرادة الشروع في تنفيذ مخطط لإحداث قلاقل عرقية وطائفية في باكستان، وإيران لديها سوابق في الداخل الباكستاني لا تحصى بسهولة، وآخرها، عملية اغتيال نائب الأمين العام لـ"أهل السنة والجماعة"، القيادي البارز في "جيش الصحابة"، الشيخ مسعود الرحمن عثماني (5 يناير) بإطلاق الرصاص عليه، في واحدة من سلسلة من محاولات إشعال الفوضى والفتن في باكستان.

لا يسعى أي من البلدين لخوض حرب على حدودهما المشتركة. فهما يواجهان تهديدات ذات حجم استراتيجي أكبر من أماكن أخرى. وبالتالي كان مفهوماً أنهما راغبتان في إغلاق هذا الملف بسرعة.

 

لدى الصين رغبة أكيدة في جمع الدولتين باكستان وإيران، لأكثر من سبب: 

في حرب ممرات الطاقة الجديدة وخطوط طريق الحرير الجديدة، يوضح الجميع مواقعهم ويتخذون موقفهم بناء على ذلك، والصين تريد أن تهيئ لهذا الطريق أسباب النجاح، وتضمن مناخاً سلمياً بالقرب من محطاته، وتوجد بيئة هادئة في جوار ميناء جوادار الباكستاني، وهو مركز مركزي للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، مبادرة الحزام والطريق الدولية التي تقودها بكين. 

العمل على إنجاح الدبلوماسية الصينية في الوساطة الدولية بعد نجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران، وصولاً إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في أغسطس الماضي. 

إذ يكثف المسؤولون الصينيون جهودهم لتعزيز الحلف الذي تقوده بكين، وتحديداً منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، والتي تضم بين أعضائها باكستان وإيران؛ فإن آخر شيء يريدون رؤيته، شقاً يدمر هذه المنظمة أو يحول دون اضطلاعها بدور تنسيقي أكبر. خصوصاً أن مكافحة ثلاثية "الإرهاب والانفصال والتطرف" التي تقول الصين إنها تمثل هدفاً لابد أن تلتئم الدول الأعضاء في تحقيقه، والتي أفردت له المنظمة، فرعاً متخصصاً في صعيد الجماعات والتنظيمات المقاتلة، أسمته "الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب" التابع للمنظمة، قد تتعرض لأزمات مع صعود محتمل لمقاومة تركستانية تخشى بكين من أن تدعمها الإمارة الإسلامية الأفغانية حين تتحسن أوضاعها الاقتصادية، ولهذا فالصين تحاول تجسير العلاقات مع أفغانستان، واحتواء كلا من باكستان وإيران، ومن ثَم عدم السماح بتحول اختلافاتهما حول القضية البلوشية إلى صراع حدودي واستخباري يسمح بإيجاد فراغات "جهادية". فبكين حساسة جداً تجاه أي نزعات انفصالية قد تجد لها ساحة في أفنيتها الخلفية، بسبب طبيعة تكوين جمهورية الصين نفسها، وقابليتها للتفكك.

....

قد تبدو الغارتان الإيرانية والباكستانية، مجرد مناوشة على الحدود، أو محاولة لتوجيه رسائل للداخل في الدولتين، والخارج، وهي كذلك، لكنها أيضاً تنكأ جرحاً في الجسد الإسلامي، فالهجومان قد استهدفا مسلمين سنة بسطاء فقراء بلوش أبرياء على كلا الجانبين من الحدود، تملك مناطقهم ثروات، لكنهم يعيشون مضطهدون مهمشون: في إيران لأسباب عقدية مفهومة، وفي باكستان لأسباب تتعلق ببشاعة العنصرية والقومية التي أوجدت بؤراً للصراع داخل البلدان السنية بسبب شيوع الظلم، وتصنيفه الطبقي البغيض.. وتلك مسألة لابد أن تولَى اهتماماً خاصاً لتسليط الضوء عليها من النخب المسلمة وإعلام المسلمين، لرفع ظلم استشرى في البلدان المسلمة وماضٍ في تشقيقها وتفكيكها أو نجح.