الاثنين ، 21 ذو القعدة ، 1446
section banner

المؤثرات السياسية على واقع مسلمي الهند (6) تسلط الشعبوية الهندوسية

المؤثرات السياسية على واقع مسلمي الهند  (6) تسلط الشعبوية الهندوسية

تغول اليمين الهندوسي المتطرف في العقدين الماضيين، وازداد توسعاً في اضطهاده للمسلمين مع ارتفاع أعضاء منظمة التطوع الوطنية RSS شبه العسكرية، والتي وصل أعدادها إلى نحو 10 ملايين، باتوا الآن يسيطرون على معظم مفاصل الدولة الهندية، عبر جناحهم السياسي (الحزب الحاكم وحكومته) بهاراتيا جاناتا، وإعلامها المتضخم تقليدياً، وحديثاً (أكبر جيش إليكتروني في وسائل التواصل في العالم)، واقتصادهم الواعد، وميليشياتهم المنفلتة في ربوع الهند لاسيما معاقل الحزب الحاكم في أوتار براديش وغيرها، وذراعهم القضائي المستبد في المحكمة العليا والمحاكم الفرعية.

أُطلق على المسلمين أكبر حملة كراهية وترهيب لاقوها منذ الاستقلال، حيث اتُهم المسلمون بكل أنواع الجهاد المكذوبة، كـ"جهاد الحب" (تغرير الشباب المسلم بالفتيات الهندوسيات للزواج منهم وإنشاء أسر مسلمة كثيرة لتغيير الطبيعة الديموغرافية للبلاد)، و"جهاد الفيضانات" (لإغراق الهندوس بالفيضانات بالتورط بإنشاء سدود واهنة)، وقد بدا أن الهند قد اتخذت من هذه الشائعة ذريعة لإغراق بنغلاديش بالماء من خلال فتح السدود الرابطة بين الدولتين فجأة، و"جهاد كورونا" (بنشر المرض بين الهندوس في حينه)، و"جهاد المخدرات" (نشر المخدرات بين الهندوس)، و"جهاد الأرض" (حيث يُلام المسلمون بمزاعم احتكار الأراضي للسيطرة على أراضي الهند)، و"جهاد التصويت" (في الانتخابات)!

وهكذا، تدار حملات إعلامية أخرى لإيهام الهندوس بأن لدى المسلمين مشروعاً لابتلاع الهند وحكمها عبر أغلبية إسلامية لن يمر على تحقيقها سوى ثلاثة عقود من الآن! وتعمد إهانة الهندوس بذبح الأبقار لتبرير تنفيذ – وشحن الغوغاء لارتكاب - عمليات إعدام بالمئات لمسلمين لمجرد وجود لحوم أبقار لديهم أو لذبحهم أضاحٍ، وتشويه حكم المسلمين من قبل بأنه أرغم الملايين من الهندوس على الإسلام، وبالتالي يتعين على الحركة الهندوسية إعادتهم إلى حظيرة هذه الديانة الوثنية مجدداً، تشويه حاضرهم لاعتبارهم فقراء، متخلفين، متعصبين، رافضين للحضارة والتطور، مهتمين بالعلوم الدينية على حساب تطوير البلاد.

وتلك العلوم الدينية أثارت حنق الوثنيين؛ فاندفعوا لإغلاق نحو 25 ألف مؤسسة تعليمية إسلامية، وهدم آلاف المساجد، وإقامة معابد مكانها أو أوشك أن يتحقق ذلك بالجملة، لاسيما تلك الأثرية والتاريخية والكبيرة، ومنع تراخيص التمويل الخيري عن 25 ألف مؤسسة، ونُفذت مذابح عديدة ضد المسلمين، وعمليات إعدام بدم بارد في الشوارع من قبل الميليشيات الهندوسية الإرهابية.

(وللتذكير ونفي هذه الفرية؛ فإن فقر مسلمي الهند اليوم لم يكن نتاج تخلفهم وبالطبع دينهم؛ فحتى في أسوأ عصور انحطاط الحكم المغولي للهند كانت الهند غنية، بل لم تصل الهند في أعلى معدلات نموها الاقتصادي الحالي لمعشار قوتها الاقتصادية أثناء حكم المسلمين. "يكشف المؤرخ أنجوس ويلسون من جامعة كامبريدج أن حصة الهند من الدخل العالمي في عام 1700 كانت 22.6%، وهو ما يقارن بإجمالي دخل أوروبا الذي كان آنذاك 23.3% (بفارق أقل من 1%). وفي وقت الاستقلال، في عام 1952، انخفضت حصة الهند إلى 2.3% من الدخل العالمي"[1]).

وفي الطريق، سُنّت على عجل  - أو تكاد - حزمة من القوانين عبر البرلمان الموتور وسابقه، منها "إلغاء الطلاق الثلاثي" (الإسلامي)، "تنظيم الأسرة" (لكبح جماح التناسل بين المسلمين)، "تنظيم الأوقاف" (لمصادرة أملاك المسلمين ومساجدهم ومدارسهم وجامعاتهم)، "قانون الجنسية" (الصادر في العام 2019م، والذي وضع في حيز التطبيق هذا العام، والذي يمنح الجنسية الهندية للهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين الذين فروا إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان -ذات الأغلبية المسلمة- قبل 31 ديسمبر 2014. ويستثني المسلمين وحدهم من منح الجنسية، وذلك لمنع المهاجرين من بنغلاديش من المسلمين إلى ولاية آسام خصوصاً من بعد 1971م للحؤول دون تحولها لولاية ذات غالبية مسلمة)، وقانون "تجريم الدعوة إلى تغيير الديانة"، والمقصود به تحديداً المسلمين، بعد أن تكاثرت أعداد الداخلين في الإسلام، خصوصاً من طبقة الداليت الهندوسية المضطهدة، ويجعل من حق ذوي المسلمين الجدد الحق في إعادتهم للهندوسية قسراً بمعاونة الدولة، عبر التشكيك في إسلامهم، والأخذ بشهادتهم به، وبالتالي يعادون إلى الهندوسية قسراً، ويعاقب الدعاة على ذلك، وقد تم ذلك بالفعل، واقتيد كبار الدعاة المسلمين للسجون باسم هذا القانون الجائر. والعديد من القوانين الاستثنائية المفصلة على مقاس المسلمين تحديداً قصد التمييز ضدهم. ومن القوانين إلى "سلطات إنفاذ القانون"، حيث تم ترسيخ سلبية وعنصرية الدوائر التنفيذية الدنيا والمتوسطة في الشرطة والقضاء وحكومات الولايات تجاه الجرائم المرتكبة بحق الأقليات الإسلامية، وفي الغالب تتحول إلى جلاد للضحية.

ثم إن الحكومة الهندية المتطرفة قد أجرت انتخابات في جامو وكشمير، في سبتمبر الماضي، بقصد تطبيع وضع الولاية الحالي بعد أن صادقت المحكمة العليا في الهند على إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير، الولاية الوحيدة التي يمثل فيها المسلمون أغلبية مطلقة وفق الإحصاءات الرسمية.

وجدير بالعلم، أن للحزب الحاكم في الهند مشروعه المعلن بإقامة دولة الهندوس الكبرى، التي تشمل دولاً أو أجزاء من دول مجاورة علاوة على باكستان وبنغلاديش.

(وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى)

 



[1] إدواردو فاليرو (وزير الدولة للشئون الخارجية السابق)، مقال بعنوان "جوا: التأثير الاقتصادي والثقافي للاستعمار"، مسلم ميرور 4/6/2020م