"طوفان الأقصى" "إسرائيل" العالقة في غزة
بعد أسبوع كامل من الدعاية الصهيونية حول "مجمع الشفاء" الفلسطيني، أصيب الصهاينة بخيبة أمل كبيرة جراء عدم تحقيق أي هدف سياسي بعد اقتحام المستشفى، الذي أحيط بغابة كثيفة من الدعاية الصهيونية حول وجود قيادة حماس فيه، أو الوصول عبره إلى خيط يقود إلى مكان احتجاز الأسرى الصهاينة.
وسائل إعلام الكيان، رصدت تلك الخيبة؛ فقد قال المعلق حول شؤون الحريديم في القناة "12" الصهيونية، يائير شيركي: "أنا أسمع عن الخيبة المنتشرة في إسرائيل ليس فقط من قبل الجالسين في المنازل، بل أيضاً من الجنود الذين عادوا من غزة، والذين أمضوا نحو أسبوعين في الداخل"، مضيفاً أنّ "هناك خيبة كبيرة بشأن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة"، ومن ناحيته، قال محلل الشؤون العربية في القناة "13" الإسرائيلية، تسيفي يحزكلي إنّ من الواضح أنّه لا يوجد شيء له قيمة حقيقة في مستشفى الشفاء. وأضاف أنّ موضوع مستشفى الشفاء هو "إلهاءٌ تتعرض له إسرائيل منذ أكثر من أسبوع، وفي نهاية الأمر قصص الإلهاء هذه ستنتج خيبة أمل لدى الجمهور الإسرائيلي وتمنع عودة ثقته من أجل إنجاز أهداف الحرب".
"حرب المستشفيات!":
بدأت "إسرائيل" أولى جرائمها الكبرى مع تدمير المستشفى المعمداني في غزة في الأسبوع الثاني للعدوان، وقد أسهم ذلك في تحول الرأي العام العالمي باتجاه الفلسطينيين، وأضر بسمعة الكيان الصهيوني، وفي محاولة للخروج من هذا الحرج ادعت أنها فصائل المقاومة هي من قصفته، ثم واصلت استهداف المشافي فبان كذب الرواية الصهيونية، وتهافتت ادعاءاتها؛ فكان قصف المستشفى الإندونيسي تبياناً لكذب هذه الرواية، ثم توالت الأكاذيب مع استهداف مستشفى الرنتيسي الذي ادعى الجيش الصهيوني أنه يضم أحد مقرات حماس، واستهداف مستشفى شهداء الأقصى، وغيره، إلى أن بالغت الدعاية الصهيونية في الحديث عن وجود المقر الرئيسي، وخيط الوصول للأسرى في مجمع الشفاء، وعمل الاحتلال على نشر رواية تضليلية بالتزامن مع اقتحامه مستشفى "الشفاء"، إذ زعم أن المستشفى يضم أسرى "إسرائيليين"، لكن سرعان ما دُحِضت هذه الراواية على لسان مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة "الجيش الإسرائيلي"، دورون كادوش، الذي أكد ألا وجود لأسرى "إسرائيليين" في المستشفى. وبالتالي فإن ذلك أيضاً لم يُفضِ لأي شيء فيما يخص الأهداف المعلنة للعدوان، حينما احتلت قوات العدوان الصهيوني المشفى وارتكبت أفظع جرائمها من دون أن يحقق ذلك أي تقدم في معركتها في غزة.
والواقع أن لقادة الكيان المجرم أغراضاً أخرى يكادون يخفونها خلف ترهاتهم عن تتبع خيوط تقود إلى تحطيم حماس أو الوصول إلى الأسرى الصهاينة، فعدوانهم على المشافي يمثل حلقة من حلقات قتل الحياة في غزة بالكامل بعد استهداف كل المخابز، مخازن الأغذية، والأدوية، وخزانات المياه، وقطع الكهرباء، عدم السماح بدخول الوقود، وكميات حقيقية من سيارات الإغاثة إلى القطاع، أو باختصار كل مقومات الحياة في غزة، وإذ أوقف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وزير التراث في حكومته، عميحاي إلياهو، مؤقتاً عن حضور اجتماعات الحكومة، لأنه أبدى في مقابلة إذاعية "انفتاحاً" على خيار القصف النووي كأحد خيارات "إسرائيل" في العدوان على غزة، فإنه اكتفى بتوجيه التوجيهات للوزراء بأن يتحلوا بالصمت بعد وصف وزير الزراعة الصهيوني آفي ديختر لدى سؤال قناة 12 العبرية له عن صور سكان غزة وهم يغادرون إلى الجنوب وما إذا كان ذلك هدف الحرب أم أنه وضع مؤقت فحسب، بأنه "نكبة غزة"، بما يعني تلقائياً أن حكومته تعتزم تكرار نكبة 48 بتهجير أهالي غزة منها، وعدم إعادتهم إليها مجدداً. ثم مؤخراً التحف نتنياهو بالصمت تقريباً وترك الباب مشرعاً لإعطاء الانطباع بأن ترحيب وزير المالية "الإسرائيلي"، بتسلئيل سموتريش، لـ"مبادرة" أطلقها أعضاء في الكنيست لإجلاء سكان غزة "طوعاً" باتجاه دول العالم التي توافق على استقبالهم، موضحاً بأنه لا يرى "أن هناك فرصة لوجود قطاع غزة بشكل مستقل مالياً وسياسياً". وعليه؛ فإن استهداف الشفاء ومن قبله كل المشافي تقريباً إنما رنا إلى تجريد أهالي غزة من قدراتهم على الصمود، ودفعهم إلى التفكير الجدي في الرحيل نهائياً عن القطاع.
السقف والعتبة:
لم يعد خافياً أبداً، أن "إسرائيل" هي والولايات المتحدة قد سعيا إلى تهجير أهالي غزة كلياً من القطاع، وأطلقوا في سبيل ذلك العديد من بالونات الاختبار، بدءًا من الإعلام، وحتى أهم الوزراء الصهاينة، وبدا ذلك واضحاً من إصرار نتنياهو على عدم القبول بأي دعوة لوقف إطلاق النار حتى تدمير حماس واسترجاع الأسرى، وموافقة واشنطن على ذلك على نحو لم يتكرر من قبل إلا نادراً حيث كانت تحرص على الظهور كوسيط غير عادل فقط، ولم تنحز كلياً للرؤية الصهيونية بشكل معلن هكذا. وبخلاف كل العمليات السابقة التي اقتصرت على الانتقام واغتيال قادة من الجناحين السياسي والعسكري لحماس؛ فإن هذه الحملة اتخذت منحيين لهجومها يتمثل في سياسة الأرض المحروقة، بغية تهجير أكبر قدر ممكن من الغزاويين، ومحاولة اختراق الاستحكامات العسكرية للقسام من أجل تقسيم القطاع إلى قطعتين أو ثلاثة.
السقف لم يزل يداعب أحلام ساسة "إسرائيل" غير أن عسكرييها لهم عتبة واقعية أخرى، تتمثل في القبول بصفقة تضمن عودة الأسرى مع تقديم بعض التنازلات القليلة، التي يساهم الضغط العسكري الصهيوني في تقليلها ووضعها في الحد الأدنى.
وثمة ضغوط تقرب المؤشر باتجاه العتبة، متمثلة في احتجاجات أهالي الأسرى، ومؤيدوهم، وأهالي العسكريين أيضاً بعد توالي المقاطع المؤلمة لهم، والتي يبثها "الإعلام العسكري" التابع للقسام، والذي نجح بشكل رائع في إيصال رسائل جاوزت حدود ترهيب "الإسرائيليين" أنفسهم من وقوع القوات المهاجمة في مصيدة المدرعات والآليات التي نجحت ألوية القسام في نصبها للجيش الصهيوني المهاجم، إلى إيصال رسائل للعالم كله تجعل جبهة القسام ناصعة في حرب يخوضونها بأخلاق إسلامية، لا يُرى فيها إلا قتال الأبطال في مقابل عسكريين "إسرائيليين" لم يعودوا يستقوون إلا على الأطفال الخدج والأطقم الطبية. وتلك رسالة قوية جداً تنبث بصورة متسارعة في الإعلام الشعبي المكون لقناعات الجماهير في الغرب والشرق. ولم تزل تلك الرسائل تحدث أثراً هائلاً وسط الشباب المسلم، الذي وجد في "أبي عبيدة" وأبطاله في الميادين أيقونات، للجهاد والكرامة والتحدي والعزة والشجاعة بما زاد من الضغوط على حكومات لدول إسلامية صهيونية الهوى والإرادة، وجدت في مغامرة نتنياهو تكسيراً لأصنام عمدت عقوداً على تشييدها والاتجار بها.
يعلم نتنياهو وأركان حكومته اليمينية المتطرفة أن جماهيرهم الإرهابية تطالبهم بتحقيق أهداف استراتيجية كبرى، لا أقل من تدمير حماس وإنهاء رعبهم من غزة وأهلها، وربما تهجيرهم نهائياً لسيناء وما بعد سيناء، ويعلم هو بصفة شخصية أن نهايته السياسية ستكون مع نهاية تلك الحرب الضروس، وأن ملفه القضائي ربما كان ينضج الآن تمهيداً لمحاكمته بعد الحرب، ويعلمون جميعاً أنهم قد خطوا خطوات في اتجاه احتلال القطاع، وإن كانت فاتورتها باهظة، ولهذا هم يقعون اليوم بين ناري الهروب إلى الأمام، والتقدم مهما بلغت خسائرهم، أو الإذعان لصوت العقل، والقبول بصفقة توقعها حماس مكرهة تحت ضغط العدوان الوحشي، وربما تتجرع فيها سم القبول بصفقة غير مرضية لها.. الساسة يدفعون باتجاه، والعسكريون والاستخباريون يقرؤون المشهد بصورة مغايرة، كتلك التي يراها عيران عتسيون، نائب رئيس مجلس "الأمن القومي" السابق، حين شدد على عدم توفر القدرة على إعادة الأسرى "الإسرائيليين" من قطاع غزة عبر "عملية عسكرية"، مؤكداً أن إمكان القيام بذلك "صفر"، مشيراً إلى أنّ إتمام صفقة هو الحل.
...
أما على الجانب الآخر، في الخنادق، وفي الميدان، وفي المشافي والملاجئ، يتشبث "أبو عبيدة" وأبطاله، من الكماة والمدنيين، بأن "النصر صبر ساعة".. فاللهم نصراً مؤزراً وفتحاً مبيناً يثلج صدور المؤمنين.