"طوفان الأقصى" دلالات تسونامي المظاهرات
يدمرون، يدمرون، يدمرون، وفي الطريق يدمرون "سمعتهم الدولية".
في البداية رأى حكام تل أبيب أن أثماناً عديدة لابد أن تُدفع في سبيل تحقيق هدف استراتيجي كبير، يتلخص في إزالة "خطر حماس" إلى الأبد، إن تعذر إلقاء غزة كلها في البحر، مثلما كان يتمنى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق إسحق رابين، أو إلقاؤها في صحراء سيناء مثلما يرنو إلى ذلك ساسة "إسرائيل" الحاليين، ثم إذابة أهلها في مدن مصر الكبيرة، لاسيما 6 أكتوبر، والعاشر من رمضان، مثلما توصي بذلك خطة معهد (ميسغاف) "الإسرائيلي" لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية.
وفي الطريق هذا، لا بأس من الكشف عن الطبيعة الإجرامية أكثر وأكثر للكيان الصهيوني في أوروبا والعالم، ما دام ذلك سيكون ثمناً ضرورياً لإنجاز مهمة الإجهاز على المقاومة، ثم بعد ذلك لن يكون مستحيلاً ترميم جزء كبير من تلك السمعة عبر الإعلام الموالي، واللوبي الضخم المساند في الغرب.
على أن خطط التهجير أو الإجهاز أو التدجين، جميعها قد تأجلت، على الأقل، ريثما يتم الحسم في الميدان، والميدان بدوره يحتاج آلافاً من الأطنان من المتفجرات تجاوز قوة قنبلتين من شاكلة تلك الملقاة على هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، والقوات البرية لم تزل تراوح أماكنها منهزمة تارات، مقدمة أحياناً. ويتردد أن الولايات المتحدة التي تبسط حمايتها على الكيان الغاصب، قد ضاقت ذرعاً بهذا الإخفاق "الإسرائيلي"/الأمريكي المشترك، وأنها قد منحت حكومة نتنياهو مهلة للإجهاز على حماس وربما تخريب غزة كلها، وإلا؛ فإنه يتعين عليها أن تبحث عن حل آخر يحفظ ماء وجه الكيان الكالح.
استرقت الرواية الصهيونية أنظار العالم وسمعه بادئ الأمر، وتمكن الإعلام العالمي المعادي للمسلمين من تسويق جملة من الأكاذيب، لاقت رواجاً واسعاً، عن علميات قتل فلسطينية للأطفال من أبناء اليهود، وجرائم اغتصاب ليهوديات، ونحو ذلك، وثنّت على ذلك بإحكام قبضة قوية جداً على وسائل التواصل، جعل أصحاب الحسابات الشهيرة، والمواقع الموثقة الكبيرة، الموالية لفلسطين، تقفز من وسيلة لأخرى، من ميتا وإنستغرام، إلى إكس، ثم تليجرام، وتتحايل على الصياغات والألفاظ لتتجنب الوقوع في مذبحة حرية الرأي والتعبير، التي أهدر دمها تماماً في الغرب، سواء في التعبير الافتراضي أو حتى في الميداني، والذي انطلقت معه أجهزة أمنية مسعورة لتخطف كوفيات فلسطينية من فوق أكتاف الفتيات، وتوقف المتظاهرين وتلاحقهم تارة وتحذرهم أخرى من التظاهر، لمنع صوت المعارضة لهذه الغوغائية الدولية.
غير أن "إسرائيل" سرعان ما حولت بجرائمها الرعيبة دفة التعاطف معها إلى التعاطف مع غزة المنكوبة، وإلى مطالبة الحكومات الغربية، لاسيما أمريكا بوقف دعمها للكيان الغاصب، فبدأت الرواية الفلسطينية تكتسب شعبية متزايدة، انعكست على مظاهرات عالمية لم يسبق لها مثيل في كثير من البلدان، لدرجة أن مظاهرة واشنطن قد صُنفت كأكبر مظاهرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كله بلغت مئات الآلاف من المتظاهرين في مسيرة تكاد لا تنتهي، حتى إنها فاقت أعداد المتظاهرين في مظاهرات مناهضة الحرب في فيتنام 1967م، كذلك الأمر في لندن وباريس وبرلين، التي شهدت مظاهرات بعشرات الآلاف، وبدرجات أقل في ستوكهولم، وروما، وأثينا، وغيرها من المدن الأوروبية، وكذلك مدناً أخرى أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية في غير عواصمها، وأيضاً في دول أمريكا الجنوبية. هذا عدا عن مظاهرات عارمة في كبريات الدول الإسلامية كإندونيسيا وباكستان، وكذلك في الهند، وغير ذلك، في واحدة من أوسع نطاقات التظاهر حول العالم رفضاً لجرائم "إسرائيل".
تسونامي المظاهرات الجارفة تلك لها دلالات عديدة:
ليس هناك من شك في أن هذه المظاهرات الضخمة تعبر عن تشكل رأي عام لا يمكن تجاهله من قبل الحكومات الغربية، مهما بلغت درجات إصرارها على فعل ذلك، صحيح أن ذلك قد لا يغير من قرار الحكومات مثلما حصل في عامي 2002 و2003 قبيل غزو العراق، حين خرج الملايين في جميع أنحاء العالم لمعارضة الحرب من دون أن يتمكنوا من وقف اندلاع الحرب، ومن ثم قُتل أكثر من مليون عراقي، إلا أن الوضع مختلف كثيراً في حالة غزة لأسباب تتعلق بمناخ المعركة وشرعيتها وما إلى ذلك بالنسبة للأمريكيين، ثم تتعلق بقدرة "إسرائيل" على مجابهة رأي عام عالمي مؤثر كثيراً داخلياً بالنسبة إليها ككيان صغير، في كل شيء مقارنة بالولايات المتحدة. إن الأمر يتعلق بـ"سمعة إسرائيل"، استثماراتها الخارجية، سياحتها، دورها الوظيفي في المنطقة (التطبيع، والهيمنة والمشاريع الاقتصادية لاسيما النفطية وخطوط الاتصال، بالعلاقة مع أوروبا..).
تفجرت المظاهرات حول العالم من شرق العالم إلى غربه، تنديداً بمجازر "إسرائيل" في غزة..
قبل العدوان، وعلى مدى سنين قليلة مضت، رصدت مراكز البحث والدراسات ووسائل الإعلام الأوروبية و"الإسرائيلية"، تنامياً للكراهية التي بدأت تكنها قطاعات أوسع من الأوروبيين للكيان الصهيوني، ولا ريب أن معدلات التنامي هذه قد زادت، فكثير من الدول والشركات أصبحت تظهر حساسية لتصدير أو استيراد منتجات إلى ومن "إسرائيل"، وتحديداً مما يُسمى بالمستوطنات، هذا منذ سنوات، فما الظن بها الآن، و"إسرائيل" باتت تقوم بحملة إبادة شاملة لشعب على نحو يشبه ما قامت به أمريكا ضد الهنود الحمر، مع الفارق الزمني الهائل بما يصاحبه من تغطية إعلامية غير مسبوقة، على المستويين التقليدي والشعبي، بل باتت تهدد بقصف الأطفال والنساء بالقنابل النووية! و"إسرائيل" توقن بأنه ليس بوسعها أن تقتصر على التأييد والدعم من ساسة أمريكا وأوروبا، وأن عليها أن تبقى مطمئنة ما دامت تضع أيديها على ياقات هؤلاء الساسة؛ فرضا الشعوب الغربية مطلب مهم، وهي تخاله اليوم يفلت بسرعة من بين يديها.
من عبقرية هذه المظاهرات أنها غدت تعبر عن تشكل رأي عام عالمي مضاد، تدريجياً، وهو ينبث في داخل مجتمعات متناقضة في أيديولوجيتها، فهي تجمع بين طوائف شعبية في دول إسلامية، وكاثوليكية، وبروتستانتية، وتتسع في رقعة جغرافية واسعة من إندونيسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبكثافات متنوعة، لكنها كبيرة نسبياً في الجملة، وهذا الرأي لا يكاد ما يضاده في الميادين والطرقات، بما يعبر عن تنوع في وجهات النظر المحلية، وهذا ما أمسى يزعج الحكومات الغربية، ويظهرها كمن يسير في عكس رغبات شعوبها، لاسيما أن المظاهرات تستقطب مشاهير من وسائل التواصل الاجتماعي، والسينما الأمريكية وغيرها، بما يضاعف من فعلها التأثيري في محيطاتها. وهذا الخلو البادي للساحة إلا من رافضي العدوان والجرائم أزعج "إسرائيل" كثيراً، يقول الكاتب الصهيوني هيرب كينون: " قد يجادل البعض بأن هذه المظاهرات المناهضة لإسرائيل لا أهمية لها، وأنه طالما ظلت الولايات المتحدة والحكومات الرئيسية الأخرى تقف بقوة في الزاوية الإسرائيلية، فمن يهتم ببضعة آلاف (...) إنه مهم لأنه يخلق تصورات. على سبيل المثال، خلال الأسابيع القليلة الماضية كانت هناك مظاهرات حاشدة مؤيدة لحماس في بريطانيا العظمى. ويمكن للمراقب العادي أن ينظر إلى الأرقام ـ 100 ألف شخص في اجتماع حاشد في لندن ـ ويعتقد أن الجمهور البريطاني كله في معسكر حماس وإيران وحزب الله. ولكن هذا سيكون تصوراً خاطئاً"، وبعد أن ساق بعض الأكاذيب حول تحول الرأي العام نسبياً لصالح "إسرائيل" في بريطانيا، قال: "ولكن، مرة أخرى، ليس هذا هو التصور الذي يبتعد عنه المرء بعد رؤية الاحتجاجات الضخمة المؤيدة للفلسطينيين في شوارع لندن. وهو ما يوضح أهمية تلك الاحتجاجات في خلق الإدراك"
ما يثير قلق دوائر الاستخبارات والمراكز البحثية الغربية والصهيونية أن هتافاً دائم الترديد في كثير من المظاهرات الكبرى في الغرب، الولايات المتحدة خصوصاً، الدولة الحاضنة الأولى للكيان الصهيوني، وكذا دول أوروبا الكبرى، هو هتاف "فلسطين حرة.. من النهر إلى البحر"، وأن الذين صدحت به حناجرهم في قلب دول الغرب لا يتبنون أيديولوجية حماس، التي يصنفها الغرب و"إسرائيل" بالمتطرفة. إن "شرعية إسرائيل" – إن جاز التعبير – قد تلقت ضربة موجعة بذيوع مثل هذا الشعار، الذي يقفز فوق فتات "حل الدولتين" الذي يمني به الصهاينة وحلفاؤهم، أذنابهم في الشرق.
ما أفرزته مظاهرات أمريكا تحديداً، حيث أكبر تجمع يهودي فعال الآن في العالم بعد "إسرائيل" أن أصوات اليهود المناهضين لـ"إسرائيل" قد غدت الأعلى، لا، بل اختفى تقريباً الصوت المؤيد لـ"إسرائيل" من اليهود أنفسهم أو كاد، ربما لأن موجة الغضب صارت عالية جداً في المظاهرات المناهضة للكيان الصهيوني، ولم يعد من المناسب لدى اليهود استفزازها بأخريات مجهريات تعبر عن تأييد "إسرائيل"، وتشير التقارير إلى أنه في بعض المدن - مثل شيكاغو - تم إزالة اللوحات الإعلانية التي تعلن عن مسيرات مؤيدة لـ"إسرائيل"، وقد تكرر ذلك في مدن أخرى في الولايات المتحدة، كما أن اليهود المؤيدين للكيان الصهيوني أمسوا خائفين من الكشف عن هوياتهم، متماهين مع تحذيرات الحكومة الصهيونية التي نصحت "الإسرائيليين" بعدم إظهار عن هوياتهم، وعلى دربهم صار المؤيدون لـ"إسرائيل" من اليهود غير المتجنسين بجنسيتها. هذا بدوره قد أحال اليهود إلى غيتوهات افتراضية كالتي كان يعيش فيها اليهود في أوروبا، رغم نفوذهم القوي جداً في تلك البلدان، وتحكمهم في المال والأعمال وحتى التعليم (على النحو الذي ظهر مؤخراً في جامعة هارفارد التي هدد رجال الأعمال اليهود بمنع طلابها الموقعين على بيان لوقف الحرب من العمل مستقبلاً!)، نعني أن النفوذ اليهودي وإن كان كبيراً لكن وقع المظاهرات الكثيفة جعل اليهود يعانون خوفاً داخلياً يكبحهم عن تحدي المظاهرات بأخرى! وبالعودة إلى مظاهرات اليهود المناهضة لـ"إسرائيل"؛ فإن صوتها قد صار أعلى بين اليهود في الولايات المتحدة، على نحو يجرد "إسرائيل" من مشروعيتها المزعومة في المحيطين النصراني واللاديني نفسيهما، على اعتبار أن بني جلدتهم أنفسهم لا يقبلون جرائم "إسرائيل". إن ارتداء الكيبا اليهودي في مظاهرة ضد "إسرائيل" هو أكثر لفتاً للانتباه من أخرى مؤيدة، ولهذا يترسخ الانطباع شيئاً فشيئاً أن اليهود بالخارج لا يؤيدون "إسرائيل" حتى لو لم يكن هذا هو الواقع فعلاً، فأصوات مثل "الصوت اليهودي من أجل السلام" وIfNotNow""، بظهورها بالملابس اليهودية في مظاهرات دخلت الكونغرس وطافت بواشنطن ونيويورك أكسبت الرواية زخماً مفاده "أن اليهود ينقلبون على إسرائيل"، وأعطت انطباعاً بأن غالبية اليهود لا يقرون تلك الإبادة الجماعية في غزة، ولهذا جاء العنوان الرئيسي على الإنترنت في صحيفة الغارديان "الصدع بين يهود الولايات المتحدة يتسع بسبب حروب غزة".
ولكي ندرك قوة هذا التحول، وذاك التأثير؛ فإننا نقتبس ما قاله هيرب كينون، إذ يتمنى حصول مظاهرة واحدة كثيفة، عوض المظاهرات الهزيلة التي قدرها هو نفسه بما بين ألفين وثلاثة آلاف، مؤيدة لـ"إسرائيل"، يقول حالماً: "تجمع كبير في واشنطن، وهو شيء أقرب إلى التجمع الضخم عام 1987 عندما نزل 250 ألف شخص إلى واشنطن العاصمة لدعمهم. الاحتجاج نيابة عن اليهود السوفييت، أو عندما أظهر 100.000 شخص دعمهم لإسرائيل في واشنطن خلال ذروة الانتفاضة الثانية في عام 2002."، لاحظوا تلك الحماسة المتراجعة لتأييد الكيان الصهيوني بين اليهود الأمريكيين أو المخاوف المتنامية لديهم.
لا يمكن عزل تأييد إيقاف العدوان ووقف الإبادة ضد أهل غزة، عن إثارة الفضول حول التعرف على الإسلام في الغرب، وفي تغيير النظرة النمطية التي سعت دوائر الاستخبارات الغربية على ترسيخها حول المسلمين، وتوزيع الاتهامات عليهم ما بين الإرهاب والتطرف والهمجية والتخلف، وما إلى ذلك. هناك تغيير ما يحصل في العالم، فكما لا ينبغي المبالغة فيه، فلا يُستساغ التقليل منه في المقابل؛ فنحن هنا نتحدث عن اشتباك فكري، واعتمال عقلي يحصل ليس ما بين النصرانية والإسلام في أوروبا بالضرورة، لكن ما بين الإسلام واللادينية ، وما بين العدل والظلم، وما بين الحرية والتضييق والتهميش والاضطهاد. إنها معارك لا يقوى الخصم على الصمود كثيراً حيالها، وقد نرى قريباً مؤشرات إيجابية حول المسلمين في الغرب، ففي ظل مساعي التهميش والاندماج القسري، والاضطهاد؛ فإن أصواتاً رافضة يمكن أن تتشكل على أرضية هذه المعركة الدائرة في قلب غزة الصامدة.
ثمة تغييرات غير محسوسة تفرزها مظاهرات كثيفة كتلك، وحول هذا المعنى يدندن جون شوارتز في مجلة انترسيبت الأمريكية، حيث يؤكد أن المظاهرات قد لا تمنع القتل حالياً، لكنها تمنع ما قد يحصل مستقبلاً، ويضرب مثلاً بمظاهرات رفض العدوان على العراق التي لم تحل دون مهاجمته لكنها أوقفت امتداد الغضب الأمريكي ليشمل دولاً أوسطية أخرى. لكن بخلاف ما يذهب إليه شوارتز؛ فإن تقارير أخرى عبرية قد أكدت أن "إسرائيل" لم تزل تتردد في تطوير هجومها الدامي تحسباً لتزايد الرفض الشعبي العالمي، وخروجه عن السيطرة أو التحكم الإعلامي والسياسي.
ومن دون إغراق مَرضي في التفاؤل، بالتوهم بأن هذه المظاهرات تعبر عن اكتساح للرواية الفلسطينية وتأييداً كبيراً لوقف الحرب، وتعاطفاً مع مشاهد الضحايا في غزة؛ فإن ذلك لابد ألا يعمينا عن رؤية مظاهر تنامي الكراهية ضد المسلمين في الغرب، وتزايد عمليات تهميشهم واضطهادهم أحياناً، وتزايد شعبية الأحزاب والقوى اليمينية المناوئة لهم، في محيط "نصراني، ولا ديني. هذا كله يتعين أخذه بالاعتبار.. أيضاً لابد من تفهم حقيقة مؤكدة عن أن المظاهرات الضخمة تعبر عن حسن تنظيم والتفاف حول هدف واحد، قد جمع اليوم بين أقليات مسلمة بالملايين في كل بلد أوروبي كبير، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي احتشدت فيها الجماهير من 44 ولاية في مظاهرة واشنطن وحدها، وكذلك هي تعبر عن تحالف غير معلن بين جمعيات وحساسيات مسلمة مع القوى اليسارية التي تتبنى مطالب حقوقية (منها بالتأكيد ما لا يقبله المسلمون بحال)، وهو تحالف مصلحي بحت يعتمد على الحصانة النسبية لتلك المنظمات والقوى اليسارية مع الاحتشاد القوي للمسلمين، بما يمكننا أن نعتبر هذه المظاهرات بمثابة تعبير عن صوت أقليات غاضبة، وليس تعبيراً عن تغير كاسح في المزاج الشعبي الغربي، وإن كان حقيقياً وملموساً.
مع ذلك؛ فإن هذه المظاهرات تكسب آراء أصحابها زخماً وأرضاً وشعبية تتنامى، وتؤثر في صورة المسلمين في الغرب إيجابياً، وتسهم في جهود التعريف بالإسلام، وبالطبع تضع الحكومات الغربية وحتى حكومة الكيان في مأزق دولي، خصوصاً في دول لا تعد أصوات أبنائها أصفاراً مثلما هو الحال في حس حكومات الدول العربية.. إنها مظاهرات تغذي الغضب ضد الكيان الصهيوني وجرائمه، وتكبح جماح التطبيع ولو كان مؤقتاً، وترفع مظلة فسيحة فوق جهود المقاطعة المؤثرة في العالم، والتي تفقد "إسرائيل" سمعتها تماماً كواحة مزعومة للديمقراطية وسط صحراء الاستبداد.. ولكي نتلمس قوة تأثير هذه المظاهرات، التي استنهضتها صور الدمار والقتل للأطفال والنساء، نعيد المشهد إلى يوم 7 أكتوبر، حينها صدّرت "إسرائيل" يعاونها الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه صورة مغلوطة عما جرى يومها، حيث اعتبرت "إسرائيل" أنها تواجه أكبر مجزرة منذ ما يُسمى بالهولوكوست. لنتخيل كم كان يمكن لـ"إسرائيل" أن تقتات على أكاذيب 7 أكتوبر مثلما فعلت مع هتلر؟! لقد انمحى معظم تأثير هذه الأكاذيب بفعل المجازر المرتكبة، ثم بجهود الرافضين للرواية الصهيونية، ولمذابحها من بعد، وقد تجلى الرفض في وسائل التواصل، وحملات المقاطعة.. بيد أن أكثر الظواهر تجلياً في ذلك كان في مظاهرات مليونية، وأخرى أقل كثافة، شقت قلب الغرب المتحجر.. إن تلك المظاهرات مؤثرة بالتأكيد في نواحٍ عديدة، قد يصعب علينا اليوم حصرها جميعاً، لكن إرهاصاتها بادية، وسيُسمع رجع صداها في قادم الأيام بإذن الله تعالى.