الأحد ، 11 ذو القعدة ، 1445
section banner

"طوفان الأقصى" سيناريوهات غزة واحتمالات التهجير

"طوفان الأقصى" سيناريوهات غزة واحتمالات التهجير

تتسق فكرة التهجير القسري مع طبيعة الشخصية اليهودية العدوانية التي تستعذب إيذاء المسلمين وإلحاق أشد الأضرار والإيذاء بهم، وهي بالتأكيد ليست بدعاً من السلوك الصهيوني الذي نفذ سلسلة من التهجيرات منذ نشأة الكيان الغاصب وحتى اليوم، حيث لم يتوقف السرطان "الاستيطاني" في القدس ومدن الضفة وحولها؛ فالتهجير سلوك لصيق بالصهيونية، لا يكاد ينفك عنها، ولهذا؛ فمن حيث الأصل لا يمكن استبعاد فكرة التهجير كهدف وضعته حكومة الحرب الصهيونية نصب أعينها في عدوانها القائم على غزة. كما أن له ما يشجعه في المحيط، من سوابق قامت بها إيران في كل من سوريا والعراق، وهو سلوك أيضاً لصيق بها كحليف حقيقي لليهود.

والآن، يصعب على قادة الكيان الصهيوني مقاومة الإغراء الحالي بإمكانية تنفيذ هذا التهجير القسري لأهالي غزة إلى مصر أو حتى إلى غيرها عبر البحر؛ فيما الفرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الكبير. ومثلما لم يملك يهود المدينة، وتحديداً يهود بني النضير مقاومة إغراء اللحظة التي أتيح لهم فيها اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، أو هكذا ظنوا أنها متاحة، فعمدوا إلى اعتلاء حائط لإلقاء حجر كبير عليه أثناء زيارته إياهم طلباً لمساهمتهم في دية قتيل، قضى الاتفاق بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم على المشاركة فيه. كان هذا في السلم؛ فكيف بهم في الحرب؟!

من شأن التهجير أن يحقق للكيان الصهيوني ما يلي: 

إنهاء مشكلة غزة بالنسبة للكيان الصهيوني تماماً أو جزئياً بحسب نسبة التهجير. 

التمهيد لعملية تهجير أخرى من الضفة الغربية وربما من القدس لاحقاً. 

تحقيق هدف الانتقام كاملاً، ومحو آثار هزيمة 7 أكتوبر. 

إنهاء "التهديد" الجهادي تماماً أو جزئياً بتوجيه أكبر ضربة له منذ عقود. 

جعل رئيس الوزراء الصهيوني بطلاً قومياً لـ"إسرائيل" بدلاً من تحميله وفريقه المسؤولية، وربما نجاته من المحاكمة. 

إعادة الهيبة للجيش الصهيوني بعد أن أذلته حركة حماس وشقيقاتها.

إعادة الاعتبار الإقليمي للكيان الصهيوني، وهو يسعى إلى مزيد من التطبيع مع دول عربية أخرى، بعد أن انخدش هذا الاعتبار كثيراً بفعل طوفان الأقصى برمته.

ترميم سمعة "إسرائيل" تدريجياً بعد تلاشي قدر كبير من التهديدات الفلسطينية لها، وبالتالي العودة إلى ترسيخ الفكرة المزعومة عن "إسرائيل" كواحة ديمقراطية هادئة في صحراء الاستبداد الشرق الأوسطي.

(لم يأت اليوم بعد الذي تفكر فيه الآلة العسكرية الصهيونية في العودة إلى الوراء)

وهي بالطبع أهداف براقة، لكن دونها عراقيل، أبرزها الآلية التي يمكنها أن تنفذ هذا المشروع، إذ لا يبدو ممكناً تحقيق ذلك من دون ارتكاب مجازر غير مسبوقة، تفوق ما حصل حتى الآن في قطاع غزة المنكوب، نظراً لاكتظاظ السكان واللاجئين في رفح الفلسطينية، وتصميم كثيرين من الفلسطينيين على عدم ترك أراضيهم، خصوصاً إلى مصر. 

سيناريوهات رفح:

تقود مشاهد الختام في مأساة غزة الأبية إلى واحد من سيناريوهات باتت مطروحة بقوة فيما يرشح من وسائل الإعلام القريبة من السلطة في تل أبيب وواشنطن والقاهرة. 

 سيناريو التهجير إلى مصر: 

وهو سيناريو رهين بموافقة القاهرة عليه، وسيتم تنفيذه على النحو التالي: 

قصف جوي متدرج على أطراف المخيمات بغية دفع الأهالي باتجاه الحدود مع مصر، ودخول القوات البرية الصهيونية مكان المناطق الخالية والمدمرة لتضييق الخناق أكثر على الأهالي، ويستهدف هذا السيناريو تهجير اللاجئين في المخيمات الحديثة، دون تلك القديمة في رفح نفسها. أي أنه يستهدف تحريك جموع تمثل نحو 80% من سكان رفح الحاليين، حيث يكتظ في رفح وضواحيها نحو 1.4 مليون فلسطيني، فيما لا يجاوز سكان رفح الأصليين 300 ألف. 

وقد كانت التقديرات الصهيونية السابقة تخرص عدد النازحين المتوقعين إلى مصر بنحو 400 ألف نازح، كمرحلة أولية، غير أن الوضع الحالي قد يرفع من سقف توقعات الصهاينة في هذا الخصوص. 

تتمنع القاهرة أولاً عن السماح بعبور الفلسطينيين، لكنها تحت ضغوط "شعبية"، وأخرى إقليمية، وثالثة دولية "إنسانية"، "ستضطر" إلى فتح معبر رفح، وربما ثغرات في السياج الحدودي يفتحها القصف الصهيوني أو بعض "الأهالي"، وسيتم حينها وضع العابرين في معسكرات خاضعة لحراسة مشددة. 

تتوالى المعونات العربية والإسلامية على الأهالي المهجرين، لتوفير ظروف معيشية أفضل لهم، في محاولة لمحو آثار النكبة، أو التقليل منها شعبياً في سائر الدول العربية والإسلامية، باعتبارها الخيار المتاح لحقن دماء الغزاويين.

سيناريو وقف إطلاق النار المؤقت عبر التفاوض: 

يدفع إليه فداحة الخسائر "الإسرائيلية" قياساً بما فقدته "إسرائيل" من خسائر خلال العقود الماضية، والضغوط الخارجية والداخلية، وعدم تحمل "إسرائيل" لتبعة تنفيذ مقتلة كبرى بحجم ما هو متوقع في رفح، بعد أن بلغت مذابحها خلال الشهور الثلاثة الماضية حدوداً لا تطاق، لاسيما بعدما جُرت "إسرائيل" إلى محكمة العدل الدولية لأول مرة، بتهمة الإبادة الجماعية، رغم إفلاتها منها هذه المرة. 

ويدفع إليه ما هددت به حماس، من أن رفح ستكون المعركة الأشد ضراوة على الكيان الصهيوني بما يفوق ما حصل في 7 أكتوبر، بحسب ما جاء في تصريحات قادتها، واستعداداتها لخوض حرب طويلة، بالإضافة إلى استمرار الحرب في خان يونس والشمال الغزاوي، حيث لم تخفت نيران المقاومين فيها حتى الآن، وتوسيع دائرة الحرب من شأنه مزيد من الخسائر، مزيد من الضغوط على الجيش الصهيوني. هذا الجيش الذي قال رئيس أركانه إنه لن يقدم على عملية في رفح ما لم يحصل تنسيق سياسي مع مصر. كون الهجوم البري، ودخول محور صلاح الدين (فلاديلفيا) سينقض اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، التي تمنع وجود قوات "إسرائيلية" هناك بما يفوق تعداده 4 آلاف جندي صهيوني، ومن شأن حرب ضروس في رفح، وسط هذا العدد الكبير من اللاجئين أن يضطر "إسرائيل" إلى الدفع بقوات تفوق هذا الرقم بكثير. كما أن رئيس الأركان أيضاً طالب القيادة السياسية الصهيونية بأن توجد حلاً للاجئين قبل الشروع في الاجتياح، على حسب ما تؤكده المصادر الإعلامية العبرية. بما يعني أن نتنياهو يريد عملاً عسكرياً يلجئ إلى تهجير الغزاويين من رفح، فيما يريد هاليفي تحريكاً للنازحين سلماً قبل الشروع في المعركة، أو هكذا تسرب وسائل الإعلام الصهيونية!

ويدفع إليه الموقف المصري الرسمي الرافض تماماً لفكرة التهجير، والذي تحدث عن خيارات مصر المفتوحة في هذا الصدد كرد على أي اقتحام غزاوي، واحتمالات التصعيد مع مصر، التي يرفض شعبها في مجمله أي تصفية للقضية الفلسطينية.

وأنصار هذا الرأي داخل الكيان الصهيوني، يرون أنه السبيل الوحيد لتحرير الأسرى، أحد أبرز أهداف العدوان الصهيوني المعلن، بينما ستؤدي عملية عسكرية لا محالة إلى فقدان الأمل في بقائهم على قيد الحياة. كذلك يرون أن من شأن مفاوضات تفضي إلى إشراف السلطة الفلسطينية على قطاع غزة أن تجرد جزئياً كتائب القسام من قدراتها الهجومية، ويحقق هدف "إسرائيل" جزئياً في لجم قدرات حماس من دون مزيد من الخسائر الصهيونية الفادحة. 

 سيناريو إنشاء معسكر للاجئين داخل غزة:

يقود هذا السيناريو إلى إنشاء معسكر للاجئين الغزاويين في منطقة موازية للبحر المتوسط، يحظى بإشراف عربي إغاثي لاسيما من مصر، وتديره السلطة الفلسطينية، يسمح بدخول المساعدات بعيداً عن مناطق الحرب في رفح، وفي ذات الوقت، يسمح بوصول الإغاثة من خارج غزة بحرياً، ويشجع على الهجرة منها طوعياً عبر البحر، عبر سفن ستحط على مقربة من شواطئه لحمل الراغبين في الهجرة إلى الدول التي أبدت استعداداً لقبولهم مثل كندا وأستراليا.

وهذا السيناريو لن يمنع العدوان من أن يستمر وصولاً إلى تحقيق الهدفين المعلنين: تدمير حماس، وتحرير الأسرى، وذلك باجتياح منفلت من أي مسؤولية عن ارتكاب جرائم كبرى جديدة. 

الموقف المصري: 

العمدة في تحديد أي من هذه السيناريوهات هو الموقف المصري منها، علاوة على قدرة المقاومة على الصمود وإلحاق خسائر فادحة بعمليات نوعية كبيرة، تفوق ما قامت به حتى الآن نكاية وسحقاً للقوات البرية الصهيونية. 

ويرى مراقبون أن الموقف المصري يحمل قدراً من الضبابية والغموض، ويفتح الحسابات لكل الاحتمالات؛ فمن جهة ترفض مصر رسمياً أي سيناريو لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتحشد لذلك 40 دبابة ومدرعة من الفرقة الرابعة مدرعات، وهي فرقة قتالية مميزة في الجيش الثالث الميداني، وهي قد رفعت منذ بداية الحرب من تحصينات سياجها الحدودي مع غزة، فزادت ارتفاعه إلى 6 أمتار، وعززته بثلاث طبقات رأسية من الأسلاك الشائكة الملفوفة مثبتة أعلاه للحؤول دون أي اختراق حدودي، ولوحت عبر مصادر أمنية وإعلامية بتعليق اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، ويشن إعلامها هجوماً قوياً على الكيان الصهيوني، معلناً في بعض برامجه عن خيارات مصر التي لن تطال الغزاويين العزل، وإنما تل أبيب مباشرة، بحسب ما ورد على لسان إحدى المذيعات القريبة من الأجهزة الأمنية. كذلك؛ فإن عدداً من الخبراء العسكريين يؤكدون على استحالة قبول الجيش المصري للتهجير. 

ومن جهة أخرى، فإن نفي وزير الخارجية المصري سامح شكري لنبأ تلويح مصر بتعليق اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وتشديده – وغيره من ضيوف برامج الفضائيات المصرية من المسؤولين الأمنيين السابقين - على استمرارها، والإجراءات التي سبقت هذه الأحداث بسنين، كإفراغ رفح المصرية من سكانها، ومنعهم من العودة إليها قبل أيام من 7 أكتوبر الماضي مثلما كان مقرراً، ومن بناء رفح جديدة مجهزة لاستقبال عشرات الآلاف، ومن تقرير استقصائي بالغ الأهمية تم استعراضه في الجزء الخامس من هذه السلسلة يشير إلى استعداد مسبق لاستقبال آلاف اللاجئين في سيناء، وفي مدينتي العاشر من رمضان، و6 أكتوبر التي توجد بها عشرات الآلاف من المساكن الفارغة.. إلى ما هنالك.

(ترتفع مشاهدات مقطع بشكل مبرمج مشبوه عن اعتداء مزعوم لأهالي غزة على سيارة إغاثة مصرية بقصد التحريض عليهم)

وإلى ذلك، ثمة ما لا يمكن التغافل عنه من استنفار واضح للجان الإلكترونية الأمنية في وسائل التواصل بمصر ضد حركة حماس بصفة خاصة، والغزاويين بصفة عامة، ومن نثر مقاطع مجهولة تزعم اعتداء الأهالي في غزة على قوافل الإغاثة، والسائقين المصريين! مذيلة بعبارات تحريضية عن "استحقاق الغزاويين لما تفعله بهم إسرائيل"، ونحو ذلك، بما يُعد تحريضاً وتمهيداً لأي إجراء قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الفلسطينيين من جانب الحدود المصرية. وإلى تحريض بدأ يُسمع صوته في برامج حوارية مصرية على الأهالي غزة، وضرورة تحملهم وحدهم مهمة الدفاع عن أرضهم. والأخطر منه حساب "اتحاد القبائل في سيناء" الرسمي، للتنظيم الذي يرأسه إبراهيم العرجاني (والذي تقول الصحافة العبرية إن ابنته تعالج الآن في مستشفى هداسا العسكري الصهيوني جراء حادث تعرضت له!)، قائد ميليشيات القبائل الذي يهيمن على شمال سيناء فعلياً، ويمثل قوة موازية غير رسمية في مصر، وهو الحساب الذي يمهد كذلك لترك الأشقاء الفلسطينيين إلى مصيرهم، مذكراً هذه الأيام بـ"جرائم حماس بحق مصر"، كما يزعم. ومن قبل، من موقف رسمي على أعلى مستوى، لم يجد غضاضة في تهجير الغزاويين، ولكن إلى داخل صحراء النقب داخل حدود "إسرائيل" المزعومة. 

.....

أي كفة راجحة؟ 

ربما يصعب التوقع في ظل عوامل كثيرة متناقضة، لكن الراجح أن "إسرائيل" لن تقاوم رغبتها الدموية في إحداث مقتلة في رفح، سواء أكان ذلك قصد الضغط أكثر على حماس للقبول باتفاقية مذلة، أم كان بغرض إمضاء التهجير كلياً أو جزئياً.. لدى المقاومة ورقة قوية لم تزل بيدها، وهي قدرتها التي لم تزل قائمة على إحداث نكاية بالعدو، وإذلاله، وإيقاعه في كمائن متنوعة ونوعية، وعندها نقطة ضعف مؤلمة وموجعة، هي آلام أهل غزة، تهجيرهم المتاح عبر القصف، تجويعهم، قمعهم. وتبدو "إسرائيل" أكثر تعنتاً في ردودها على اتفاق باريس الإطاري لوقف إطلاق النار، حيث تضع العربة أمام عجلات الحل، بما يشي بأن لها طموحاً أعلى من إنهاء الحرب والانسحاب من غزة بعد أن انساحت فرقها فيها رغم خسائرها الفادحة. 

على المقاومة أن تتوقع الأسوأ، فتبني حساباتها على ذلك، من دون أن تنقطع عن الأمل في النصر من الله عز وجل.. نسأل الله القوي العزيز، أن يزيح الغمة وينصر عباده المؤمنين ويهزم الأحزاب.