الأحد ، 11 ذو القعدة ، 1445
section banner

"طوفان الأقصى" ضبابية مفتعلة أم مأزق حقيقي؟!

"طوفان الأقصى" ضبابية مفتعلة أم مأزق حقيقي؟!

أخبار عن جدية صفقة، تتلوها أخرى عن تصديق رئيس وزراء الكيان على قرار اجتياح رفح، والانتهاء من اللمسات الأخيرة لآخر حلقات التهجير المزمعة في فلسطين، أحاديث عن اضطراب الجبهة الداخلية الصهيونية وأخرى عن توحدها حول هدف تدمير المقاومة وتدجين غزة. 

أصوات في داخل الكيان الصهيوني، تقول إن الفرصة لن تسنح أكثر من مرة، وها هي قد واتت القيادة السياسية الصهيونية للقضاء على حماس، وترحيل ما تيسر من أهالي غزة، ووضع غزة تحت احتلال غير مباشر تقوده عصابة دحلان أو ماجد فرج، تمهيداً لتغيير الهوية الغزاوية المسلمة تدريجياً. فالمناخ الاستبدادي المحيط يسمح بتمرير مخطط نتنياهو- غانتس، وفي المقابل أصوات تقول بل تريثوا، فـ"إسرائيل في طريقها إلى تحطّم مؤكد، كما حدث في تصادم سفينة تيتانيك بجبل جليدي وغرقها، عام 1912. هذا سيحدث ما لم يتمّ تغيير مسبّبي أكبر كارثة في تاريخ "إسرائيل" فوراً"، كما يقول الجنرال إسحاق بريك في مقاله في هآرتس (21 مارس)، والذي يوضح فيه أن "الفانتازيا والوهم الذي لا أساس له في الواقع، بإمكان تقويض حماس بالكامل، سيؤدي إلى خسارة الأسرى، وخسارة إنجازاتنا، وخسارة دعم دول العالم، ولاحقاً خسارتنا. هناك قادة لا يريدون أن تنتهي الحرب لأنّهم يعرفون ما الذي ينتظرهم في النهاية. يجب ألا نسمح لهم بقيادة "إسرائيل" إلى طريق مسدود".

تمهلت "إسرائيل" في هجومها الكاسح، لأسباب، من بينها، عدم رغبتها في تحمل مزيد من التحشيد الشعبي ضدها في العالم في مستهل رمضان، وصعوبة معركة رفح، ودورانها في بعض تطبيقات خطتها العسكرية في حلقة مفرغة، إذ إنها عادت لتخوض معركة من جديد في شمال غزة، وتحارب طواحين المستشفيات مجدداً، في الوقت الذي تتهيأ فيه لاجتياح رفح، كما أن الأنباء الواردة إليها من الضفة، وحتى القدس ليست على ما كانت تتهيأ له وتتوقعه في تلك المرحلة تحديداً. التجويع والحصار يفيدها في تلك المرحلة، لكن القادم لا تراه سهلاً كما تمنته أو توقعته، فدونها حرب ضروس لن يهدأ وطيسها بسهولة بمجرد اجتياح دباباتها لرفح. 

سيل الأخبار المتعارضة يقود البعض إلى الاعتقاد بأنها محض ضبابية مفتعلة، أرادتها تل أبيب، وإعلامها التابع في العالم الغربي، لتشتيت تفكير العدو الفلسطيني، لكن لاشك أن حيرة تتملك صناع قرارها حيال القادم، لأنه في الحقيقة ليس بالسهولة التي قد يتصورها الساسة، ولهذا تجد "إسرائيل" نفسها، وقد وقعت بين دافعين متعاكسين، أحدهما يدفع باتجاه إتمام مهمتها بالتهجير والتدمير، وتطوير هجومها على رفح، وهو لديه ما يحفزه جداً من قراءة "إسرائيلية" ترى أن المقاومة الغزاوية بالفعل قد ضعفت، والدلائل على ذلك تتمثل فيما يلي: 

نجاح "إسرائيل" في إيقاف الهجمات الصاروخية القادمة من غزة تماماً حتى الآن. 

سيطرة القوات الصهيونية البرية على أجزاء واسعة من قطاع غزة وتحكمها في طرقها الرئيسة المتبقية. 

نجاحها في عزل مناطق غزة بعضها عن بعض، وتحكمها في عدم عودة أهالي الشمال إليه. 

تقليص هجمات القسام عن المراحل الأولى للحرب. 

إدراكها أن مخزون السلاح لدى القسام وبقية الفصائل لابد أنه آخذ في التقلص كثيراً، وكذلك القدرات اللوجيستية للمقاومة من غذاء وأدوية ووقود.. إلى غير ذلك. 

كذلك يحفزها:

فتور الاحتجاج الأهلي في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وتراجع الاهتمام بغزة في كثير من دول العالم. 

الدعم، والقناعة الأمريكية، بالمضي قدماً في تنفيذ مخطط إنهاء مقاومة غزة، والقضاء على قدرات الفصائل، وإعادة تشكيل غزة على نحو يجعلها لا تمثل تهديداً كبيراً على "إسرائيل". 

ضعف المعارضة الصهيونية الداخلية، وعدم نجاح أهالي الأسرى في إيجاد بيئة معارضة قوية لاستمرار الهجوم بما يهدد حياة الأسرى. 

أما الدافع الآخر المعاكس؛ فهو المتمثل في التعب والإرهاق والاستنزاف الشديدِين الذي وقع فيهم الجيش الصهيوني، الذي لا تنتظره نزهة في رفح، بالنظر إلى الحشد الهائل من الأهالي، واسناد المقاومة ظهرها إلى الحائط في معركة المصير، وصعوبة معركة قد تجاوز ما لاقاه الجيش الصهيوني في خان يونس، ومخيمات الشمال والوسط. وهذا قد يزيد الحاجة إلى "دم جديد" للحرب، لم يعد يتوفر في الجيش الصهيوني العالق ما بين الضرر الكبير الذي تلقته قوات النخبة في الجيش، وهشاشة قوات الاحتياط التي تتلقى ضربات موجعة جداً كلما شاركت في القتال، وبالتالي؛ فربما كانت أمريكا حاضرة لمنح تل أبيب مزيداً من الدعم في هذا الاتجاه. 

نعم، ثمة في مقابل ما تقدم، من لا يزالون يرون أن حماس ستخرج منتصرة من هذه الحرب، حتى داخل الكيان الصهيوني نفسه، ومن ذلك ما قالته الصحفية "الإسرائيلية" إيلانا ديان على القناة 12 العبرية قبل شهر أن "الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد - وإن قيل غير ذلك - أن حماس سوف تنجو بوصفها حركة مقاومة قادرة على تنفيذ عمليات متزايدة ضدهم". وتقول إن "الدعم الحقيقي" لحماس لا يزال مرتفعاً بين الفلسطينيين في غزة". مضيفة أن "هذه الاستنتاجات قُدمت إلى القادة السياسيين (منتصف فبراير) عن طريق كبار ضباط الجيش، ومسؤولي الشاباك، وأعضاء من مجلس الأمن القومي. وفي هذا الصدد، على أقل تقدير، لن يكون هناك نصرٌ مطلق".

حماس حركة مقاومة متجذرة داخل الشعب الغزاوي، ومتى بقي الغزاويون في أرضهم؛ فإن انبعاث المقاومة – لو خبا اليوم – احتمال كبير قائم، وهذا ما تقرؤه تل أبيب وواشنطن في مقابل اندفاعهم في الحل العسكري المدمر. 

في الأفق، لا يُرى أن كلا الكيانين، قادر على مقاومة الرغبة في المضي في الحل العسكري، وبالغ أمله في أن تقود هدنة طويلة نسبياً إلى منح الصهاينة فرصة للتنفس وإعادة ترتيب أوضاعهم العسكرية، وفرض مزيد من الحصار على الأنفاق، حتى لو قادت آخر استطلاعات للرأي، والذي أجرته صحيفة وول ستريت الأمريكية، ونشرته بداية الشهر الحالي إلى أن 60% من الأمريكيين لا يوافقون بايدن على سياسته العدوانية في غزة (بزيادة 8 نقاط عما كان عليه في ديسمبر)، فتلك استراتيجية خُطت، وتنفذ، لكنها ليست قدراً محتوماً؛ فالصهاينة ربما تملكوا ظاهر أرض غزة، لكن أبطال المقاومة لم يزالوا ينبعثون في كل مكان من باطنها يكبدون العدو ما يوجعه كثيراً. ومن قبل ذلك وبعد، الله من ورائهم محيط. 

يزعم نتنياهو أنه قد قضى على ثلاثة ألوية لحماس في قطاع غزة، وأنه بصدد القضاء على الرابعة في رفح، وبهذا يتم تدمير حماس تماماً، لكن اللواء الصهيوني المتقاعد إسحاق بريك، له رأي آخر، عبر عنه في مستهل الشهر، حين قال: "اليوم نخسر المواقع في شمال قطاع غزة، وفي مدينة غزة وجباليا والزيتون والشجاعية، التي احتلها الجيش الإسرائيلي قبل شهرين فقط، بثمن باهظ من قتلانا وجرحانا. لقد أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت قبل شهرين، أن لدينا سيطرة مطلقة على تلك المناطق فوق الأرض وفي الأنفاق". ومضى مستدركاً: "لم يمر سوى شهرين لنفقد السيطرة الكاملة على شمال قطاع غزة، وعاد مقاتلو حماس بأعداد كبيرة عبر الأنفاق إلى الأماكن التي أخلى فيها الجيش الإسرائيلي كل قواته، ولم يستبدلها بقوات أخرى بسبب النقص، لتسيطر حماس مرة أخرى على السكان، وتعيد بناء قدراتها في المنطقة". وقال إن أفراد القوات الإسرائيلية في شمالي قطاع غزة يُقتلون ويصابون جراء انفجار عبوات ناسفة وأفخاخ تجهزها "حماس" مسبقاً في المنازل والمواقع التي يدخلها الجنود. إن الجمهور الإسرائيلي لا يفهم أنه إذا استمرت هذه العملية على هذا النحو، فسنصل إلى وضع رهيب وفظيع، ولن نحقق تدمير حماس، ولن نحقق إطلاق سراح آمن لمختطفينا، وسيكون لدينا مئات آخرون من القتلى". وتابع: "كل يوم نذهب إلى المقبرة، كل يوم يتعرض جنودنا لإصابات خطيرة. شاركت في حروب إسرائيل، ولم يسبق لي أن واجهت مثل هذه الثقافة التنظيمية الخطيرة".

الجنرال محق، فالنصر عنوانه "تدمير حماس"، و"استعادة الأسرى""، و"تدجين غزة" أو "تهجير أهلها".. لكن إذا لم يتحقق كل هذه في الأيام القادمات، وبقيت مقاومة وفكرها المستلهم داخل القطاع، واستمر الاستنزاف الصهيوني، ولم تنجح خطة التهجير بشكل مرضٍ للصهاينة، واضطرت "إسرائيل" للسماح بالمساعدات المناسبة؛ فإن أي انتصار صهيوني يُعد منقوصاً، إن لم يكن هزيمة على المدى البعيد للمشروع التوسعي الصهيوني، و"مشروعيته" لدى الغرب وشعوبه.