مشهد ما بعد الانتخابات الهندية (1)
بعد مارثون طويل من انتخابات هندية، بدأت في 19 إبريل وانتهت في 1 يونيو، وأعلنت نتائج مراحلها الست في 4 يونيو، تكشفت خارطة الحكم والمعارضة الهندية، وبدأت ملامح مرحلة جديدة يمر بها المسلمون في ظل حكم يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي، رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني المتطرف، للمرة الثالثة، ولكن بنكهة مختلفة على نحو محدود.
أعلنت النتائج، بفوز التحالف الذي يقوده حزب مودي، وهو التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً، متجاوزاً عتبة الـ272 المحققة للأغلبية البسيطة في البرلمان الهندي المكون من 543 عضوًا، لكن هذا الفوز – كما قيل – كان بطعم الهزيمة، إذ جاء معبراً عن خيبة أمل قطاع كبير من الناخبين في الحزب المتطرف الذي أخفق في مجالات اقتصادية واجتماعية عدة، جعلته يخسر 26% من شعبيته، ليحصل على 240 مقعدًا فقط هذه المرة مقابل 303 مقاعد في انتخابات 2019م، قد كانت كفيلة في المرة السابقة أن تقود رئيسه للحكومة منفرداً دون الحاجة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، مثلما هو الحال اليوم.
فقد فاز حزب بهاراتيا جاناتا بـ 240 مقعدًا فقط هذه المرة مقابل 303 مقاعد في انتخابات 2019 (بانخفاض بنسبة 26%)، بينما يلزم الحصول على 272 مقعدًا للحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان الهندي المكون من 543 عضوًا. وهو ما حققه الحزب الحاكم لكن عبر التحالف الذي يقوده، وهو التجمع الوطني الديمقراطي بـ 293 مقعداً. غير أن حزب المؤتمر بدد حلم مودي بالفوز بـ 400 مقعد هذه المرة.
تحليل نتائج الانتخابات من زاوية المسلمين:
في الظاهر لا يبدو أن هناك تغييراً كبيراً في محصلة ما نجم عن هذه الانتخابات، بمعنى أن أحوال المسلمين، ربما لن تتغير كثيراً عن حالها الحالي، فحزب بهاراتيا جاناتا لديه أجندة مبرمجة يسير عليها فيما يخص هندوسية الهند، لا تقتصر في حقيقتها على استهداف المسلمين وحدهم، فالسيخ والنصارى كذلك يعانون من ممارسات هذه الحكومة، وثمة تصاعد في الرفض الأقلوي لهذا النظام الحاكم عبر ائتلافه الجديد.
وفقاً للمعطيات المستندة إلى البيانات الرسمية، فإن الأقليات كلها لم يتم تمثيلها في الحكومة الهندية الموسعة التي أعلنها رئيس الوزراء ناريندرا مودي والتي تضم 71 وزيراً، وقد نشرت صحيفة هندوستان تايمز واسعة الانتشار أن المسلمين الذين يتجاوز تعدادهم 200 مليون مسلم، والسيخ الذين يبلغون أكثر من 23 مليوناً، والنصارى الذين يزيدون عن 22 مليوناً لم يمثلوا في الحكومة، بما يمثل مجموعه نحو 250 مليوناً من أصل 1400 مليون هندي، أي أن نسبة 18% من سكان الهند غير ممثلين في الحكومة (أي ما يقارب خُمس السكان)، وهذا يعكس بالطبع الطبيعة اليمينية الإقصائية الواضحة للحكومة الجديدة، فحتى الحكومتان السابقتان لمودي كانتا تضمان وزيرين (مسلمين) في العام 2014، ووزيراً واحداً في العام 2019م، ما يعني أن مودي ماضٍ في سياسته العدوانية تجاه المسلمين.
وقطعاً؛ فإن بقية أحزاب الائتلاف اليمينية تشاطر مودي توجهه الفاشي هذا، ولم يصدر عنها سوى تصريح مهم لـ كيه سي تياجي، المتحدث الرسمي باسم حزب جاناتا دال (المتحد)، وهو حزب مهم في الائتلاف الحاكم، يقول فيه أن حزبه لن يتسامح مع أي حملات مناهضة للمسلمين أو الأقليات، متعهداً بمنع أعمال الانقسام المجتمعي ضد الأقليات في ظل الإدارة الجديدة، مشيراً إلى جاذبية حزبه في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، حيث تفوق مرشحه على مرشح مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند، في إحدى تلك المناطق! غير أن تصريحه هذا لم يُترجم لوضع أفضل للمسلمين، لا في قوائمه التي كادت أن تخلو من المسلمين، ولا في تشكيلة الحكومة وما سواها من المناصب الجديدة.
في الأصل، مذهب مودي العدواني تجاه المسلمين في غاية الوضوح، فللمرة الأولى منذ إعلان استقلال الهند، تخلو حكومة الاتحاد من تمثيل المسلمين، وهو أمر ذو دلالة خطيرة. وفي الأصل، لا تمايز كبيراً بين حزب بهاراتيا جاناتا وشركائه في الائتلاف في هذا الصدد، وقد لا نعاين تغييراً كبيراً فيما يخص ملفات جامو وكشمير، قانون الجنسية، قانون الطلاق الثلاثي، المساجد التاريخية للمسلمين، وغيرها من الملفات التي تخص المسلمين بقوة، والتي فجرها الحزب الحاكم خلال سنين حكمه.
كذلك؛ فإن تغيير التركيبة الحاكمة قد بات من الصعوبة بمكان، ليس لأنها الأكثر شعبية، أو لأن الشعب راغب في وجودها الدائم في السلطة، وإنما لأن مودي لم يكن كسابقيه، بل هو ومن خلفه منظمة RSS قاطرة الهندوتفا (اليمينية الهندوسية المتطرفة)، والتي يبلغ تعداد أعضائها نحو 10 ملايين عضو، وكثير منهم مسلح، قد اخترقت جميع مفاصل الدولة الهندية على شاكلة منظمة الخدمة (تنظيم فتح الله غولن في تركيا قبل دحره جزئياً في أعقاب انقلاب 2016م الفاشل)، وترفد حزب "الزعفران" (بهاراتيا جاناتا) الحاكم بكوادر تؤهله لقيادة نحو 160 مليوناً، هم أعضاء هذا الحزب المتوغل في السلطات التنفيذية والقضائية و"التشريعية"، والذي ما زال يحتفظ بوزارات السيادة القوية، الدفاع، والداخلية، والعدل، وغيرها، ويمسك بتلابيب السلطة بقوة، ويمثل خطاباً شعبوياً له بريقه من حيث الرغبة في التوسع وإقامة دولة الهندوس الكبرى، وطرد المسلمين أو تهميشهم، والحفاظ على الأمن القومي للبلاد.. إلى غير ذلك، وبالتالي صار من العسير زحزحته بسهولة من السلطة..
لكن أوليس هناك ضوء في نهاية هذا النفق؟ بلي، ولهذا؛ فلهذا الحديث بقية لازمة لرسم صورة حقيقية ومتزنة عن وضع المسلمين بعد الانتخابات البرلمانية الهندية.. والله المستعان.