السبت ، 21 جمادى الأول ، 1446
section banner

هوة العنصرية في تركيا

هوة العنصرية في تركيا

أزعجت حادثة ضرب السائح الكويتي محمد الرزيق السلطات التركية، فخلف السائح إمارة، وبرلمان، وصحافة كويتية، يؤول تغير مزاجها إلى توقف استثمارات وتدفقات سياحية كويتية وخليجية كبيرة، لاسيما في منطقة طرابزون التي يعشقها السياح الخليجيون..

C:\Users\QadryTech\Pictures\Screenshot 2023-09-18 223145.jpg

زيارات، دبلوماسية، تحرك شرطي، وآخر قضائي..

على وجه السرعة سعت أنقرة إلى تفادي مشكلة؛ فالسائح الكويتي يختلف كثيراً عن اللاجئ السوري، وفي السياسة البراغماتية التي تسود في العالم، ومنه تركيا يستوجب أن تتوقف بعض هذه المظاهر العنصرية، لأسباب اقتصادية وسياسية.. وأخلاقية أيضاً. وفد أمني، وبلدي، يزور الضحية، ومسؤولون أتراك سارعوا للملمة الحادثة، أحدهم قال، وهو فولكان قانطرجي رئيس المجلس التمثيلي للمنطقة في اتحاد وكالات السياحة التركية: "لقد جاء ملايين السياح ومئات الآلاف من السياح الأجانب إلى منطقتنا هذا العام. مثل هذا الحادث لم يحدث من قبل. لكن بعد هذه الحادثة، يتم جر القضية إلى سياقات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي رغم الموقف الواضح للولاية وأهالي المنطقة".

من السهولة بمكان "جر القضية إلى سياقات مختلفة"؛ فالطريق معبدة لهذا "الجر"؛ فلو كانت الحادثة فردية لما التفت إليها أحد، ولو لم يكن ثمة من يشعل النار لما تركت مثل هذا الأثر. فالمؤسف أن النار قد اشتعلت بالفعل في الثوب زيارات، دبلوماسية، تحرك شرطي، وآخر قضائي..

على وجه السرعة سعت أنقرة إلى تفادي مشكلة؛ فالسائح الكويتي يختلف كثيراً عن اللاجئ السوري، وفي السياسة البراغماتية التي تسود في العالم، ومنه تركيا يستوجب أن تتوقف بعض هذه المظاهر العنصرية، لأسباب اقتصادية وسياسية.. وأخلاقية أيضاً. وفد أمني، وبلدي، يزور الضحية، ومسؤولون أتراك سارعوا للملمة الحادثة، أحدهم قال، وهو فولكان قانطرجي رئيس المجلس التمثيلي للمنطقة في اتحاد وكالات السياحة التركية: "لقد جاء ملايين السياح ومئات الآلاف من السياح الأجانب إلى منطقتنا هذا العام. مثل هذا الحادث لم يحدث من قبل. لكن بعد هذه الحادثة، يتم جر القضية إلى سياقات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي رغم الموقف الواضح للولاية وأهالي المنطقة".

من السهولة بمكان "جر القضية إلى سياقات مختلفة"؛ فالطريق معبدة لهذا "الجر"؛ فلو كانت الحادثة فردية لما التفت إليها أحد، ولو لم يكن ثمة من يشعل النار لما تركت مثل هذا الأثر. فالمؤسف أن النار قد اشتعلت بالفعل في الثوب التركي، والسمعة التي بنتها حكومة العدالة والتنمية لسنوات طويلة للدولة التركية كراعية للمظلومين، حاضنة للمضطهدين، مناصرة للمهاجرين، قد اهتزت كثيراً. السياحة الخليجية العربية السخية قد تأثرت، الاستثمارات العربية تأرجحت. 

C:\Users\QadryTech\Pictures\F6UfhcWW4AAfIAk.jpg

يحذر نائب الرئيس المسؤول عن حقوق الإنسان والمتحدث باسم الحزب الحاكم، ياسين أقطاي من مغبة العنصرية، فهي تكلف بحسب تقديره 5 مليارات دولار. 

السياحة التي تضخ – على أقل تقدير – نحو 46 مليار دولار سنوياً، يضربها العنصريون العلمانيون في مقتل، الأجواء الجاذبة للاستثمار تتلبد.. السياسة الرخوة حيال الاستهداف الممنهج للعرب طمعاً في عدم إغضاب شريحة واسعة من القوميين، ستؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، والتراجع الحقوقي، وربما شيوع الفوضى. 

العنصرية في تركيا ليست جديدة، فهي كانت كامنة في أواخر حكم الدولة العثمانية، وتزايدت مع وصول الاتحاد والترقي للحكم أوائل القرن الماضي، وتفاقمت في عهود حزب الشعب الجمهوري. ومع مجيئ حزب العدالة والتنمية للحكم ورئيسه، رجب طيب أردوغان، انتعشت الآمال بتراجع هذه النظرة، وقد حصل ذلك بدرجة ما إبان الازدهار الاقتصادي الذي شهدته رئاسة أردوغان للحكومة، لكنها عادت بقوة بعد سنوات من تدفق السوريين لتركيا، حيث استغلتها المعارضة يحذر نائب الرئيس المسؤول عن حقوق الإنسان والمتحدث باسم الحزب الحاكم، ياسين أقطاي من مغبة العنصرية، فهي تكلف بحسب تقديره 5 مليارات دولار. 

السياحة التي تضخ – على أقل تقدير – نحو 46 مليار دولار سنوياً، يضربها العنصريون العلمانيون في مقتل، الأجواء الجاذبة للاستثمار تتلبد.. السياسة الرخوة حيال الاستهداف الممنهج للعرب طمعاً في عدم إغضاب شريحة واسعة من القوميين، ستؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، والتراجع الحقوقي، وربما شيوع الفوضى. 

العنصرية في تركيا ليست جديدة، فهي كانت كامنة في أواخر حكم الدولة العثمانية، وتزايدت مع وصول الاتحاد والترقي للحكم أوائل القرن الماضي، وتفاقمت في عهود حزب الشعب الجمهوري. ومع مجيئ حزب العدالة والتنمية للحكم ورئيسه، رجب طيب أردوغان، انتعشت الآمال بتراجع هذه النظرة، وقد حصل ذلك بدرجة ما إبان الازدهار الاقتصادي الذي شهدته رئاسة أردوغان للحكومة، لكنها عادت بقوة بعد سنوات من تدفق السوريين لتركيا، حيث استغلتها المعارضة المعادية للإسلام تحديداً في تأجيج الشعور القومي العنصري، وأحالت إلى الوجود السوري ثم العربي كل الإخفاقات التي سببها النظام الرأسمالي الذي تتبناه القوانين التركية وتعتمده كسياسة اقتصادية لها. 

 وفي الانتخابات الأخيرة، طفى ملف اللاجئين على السطح ليصبح الذريعة الأولى للانتقادات التي توجهها المعارضة للحكومة ورئيس الدولة، وبدأت الحوادث العنصرية تأخذ طابع الظاهرة، وتدحرجت كرة الثلج الصغيرة، مدفوعة بإعلام تركي وعربي رافض للوحدة الإسلامية من جهة، ومناهض لحكم أردوغان كذلك. 

الإعلام نجح في تأجيج العنصرية بدرجة مريعة، ولم يعد في الإمكان مداراة ذلك أو اعتباره مجرد حالات فردية؛ صحيح أن المتآمرين قد نفذوا اعتداءات عنصرية ممنهجة، لكنها سرعان ما نجحت في كسب أنصار جديدة لهذه الأنماط السلوكية الشاذة، ويستطيع أي مراقب ملاحظة ذلك، ولو في نطاق وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تعج بأصناف من الأصوات الرافضة للوجود العربي، والتي بلغت حدود الاستحقار والإهانة لكل ما هو عربي. 

أصوات عاقلة في المقابل حاولت إطفاء جذوة الفتن بالتقليل منها، سواء من النشطاء الأتراك أو العرب، المحافظين. وإجراءات حكومية سعت لوأد الفتنة عبر توقيف العشرات من محرضي العنصرية المشرفين على مواقع إعلامية، وحسابات شهيرة على وسائل التواصل، لكن جيشاً من الموظفين الذين كانوا ينفذون عملية "العودة الطوعية" بالإكراه لم يكونوا جميعهم من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، ولم يكونوا جميعهم ممن يؤمنون بمبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، الذي رفعه الرئيس التركي أردوغان شعاراً، ووضعه كأيقونة نموذجية تاريخية رائعة في مهد الثورة السورية حاول من خلالها محاكاة مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في أعقاب الهجرة المشرفة، لكن المجتمع التركي لم يكن جاهزاً لمثل هذا بالمرة. 

فرغم أن هذا المجتمع كان مفعماً بمشاعر فياضة في البداية لهذه الثورة ومنتسبيها، واستجاشت فيه أدبيات أردوغان وأنصاره سجايا القطاع الشعبي المحافظ من الأتراك التاريخية في الدفاع عن المظلومين، وأبدى كثيرون مواقف مشرفة جداً في هذا الخصوص، إلا أن الأمر لم يكن ليحل بهذه الطريقة؛ فدون المضي في هذا الطريق الرائع عراقيل كثيرة ومنزلقات مردية. 

التعليم: لقد ظل "استعماريا"ً كما بدأ منذ أن خطت تركيا الرسمية طريقها بعيداً عن العالم الإسلامي قبل مائة عام، حين كان ضابط المخابرات البريطاني توماس إدوارد لورانس يدس سمومه في الجانب العربي، مثلما ذكر في كتابه "ثورة فى الصحراء": "لقد وضعنا بمهارة؛ مكة في مواجهة إسطنبول، والقومية ضد الإسلام". كذلك ظل في الجانب التركي، حيث يحافظ النظام التعليمي التركي على منهج معادٍ للعرب، يحملهم جميعاً مسؤولية بعض العشائر التي انخدعت بلورانس وبريطانيا من دون بقية المسلمين في المنطقة كلها! 

الإعلام: بكل تنوعاته التقليدية والحديثة ما زال يركز على ذلك أيضاً، ويصور الأمر كما لو أن الدولة العثمانية لم تنهزم إلا بسبب الخيانة العربية! وهو أمر مجافٍ للحقيقة والتاريخ، لكن المتآمرين لم يزالوا مصرين على دق الأسافين بين الأتراك والعرب، مغذين لروح العنصرية لمنع أي احتمال للوحدة الإسلامية القوية في المنطقة، وما زالوا يقومون بالدور نفسه الذي قام به الكماليون في تركيا، ونظراؤهم من القوميين العرب.. يقومون بالدور نفسه مثلما يقول يوتيوبر تركي محافظ شهير: "أوميت أوزداغ (مؤسس حزب الظفر) هو نفسه إدوارد لورانس بعد مائة عام". 

الأحزاب العلمانية: وبعضها يسعى بوضوح لتفكيك تركيا، وبعضها لإضعاف اقتصادها، وبعضها للركض خلف "الفوضى الخلاقة"، إذ إن أي عاقل يدرك دون كثير تفكير أن ما يحصل الآن في تركيا مفضٍ إلى خلخلة اقتصادها وبناها الاجتماعية.

أما الإصلاحيون، فهم في غالبيتهم ذاهلون عن نتاج ما ستفضي إليه سياسة غض الطرف عن الضرب بقوة على أيدي العنصريين، غافلون عن أن سياسة الترحيل القسري لأعداد من اللاجئين ستضر بسمعة تركيا، وسوق العمل فيها، وستقوي كثيراً من النزعات الغوغائية، وستفقد معها تركيا، شيئاً فشيئاً مكتسبات سعت لتحقيقها لعقود، ولن ينتشلها شراكات اقتصادية أو ممرات تجارية أو تطوير صناعات عسكرية ومدنية، بل إن الشرخ الذي أحدثته هذه الاعتداءات، ونشر الكراهية الذي لم يجد رادعاً بما يكفي سيضر كثيراً بعلاقات شعوب متجاورة، كالشعب التركي والسوري ثم العراقي، وعلى نطاق أوسع مع العمق الإسلامي لتركيا، الدول العربية مجتمعة، التي بدونها تبقى تركيا حسيرة في موقعها الجغرافي، زاهدة في التطلع لدورها القيادي الذي تحملته لقرون في وسط العالم. إن ما تخسره اليوم تركيا بسبب أفعال رعناء من موتورين غذتهم العنصرية حتى أعمتهم عن نتائج هذه الممارسات الكارثية على مستقبل تركيا في محيطها وامتدادها الأممي، وحدودها الممتدة مع كل من سوريا وتركيا، ودورها التاريخي، فبناء موقف أخلاقي هو الأساس لبقاء أي دولة ترفع لواء نصرة المظلومين. 

إنه، لكي يكون ثمة حل ناجح حقيقي، لابد من أن تنتصر الأخلاق لا مزاجات الناخبين الموتورة في بيئة لم تعد صالحة حتى للممارسات السياسية الديمقراطية في ظل شيوع الغوغائية التي تستند إلى تنامي القومية التي لم تزل تحصد المزيد من الأصوات والمقاعد في كل انتخابات بسبب ضعف المعالجة، خصوصاً الدينية، تلك التي لم تحظ باهتمام حقيقي يجعل من الروح الإسلامية صخرة صلدة تتكسر عندها كل الدعاوى الجاهلية، لاسيما تلك العنصرية القومية. لم يزل هناك أمل في تحرك حازم، يتمثل في ملاحقات جادة للمتجاوزين، وسن قوانين عاجلة، وإطلاق حملات حكومية راشدة لإعادة الغافلين إلى جادة التسامح والأخوة والحكمة، وبموازاة ذلك لا مناص من الحلول طويلة الأجل المتمثلة في إصلاح المناهج التعليمية، وإطلاق يد الدعاة من كل الأجناس للدعوة إلى الله، وتذكير الغافلين بمعنى الأمة وخيريتها ومكامن قوتها، وعقيدتها الإيمانية السيدة على كل الوشائج والعلائق الأرضية الزائلة.