التحالف الدولي على الإرهاب
البيان رقم (46) |
|
الموضوع |
التحالف الدولي على الإرهاب |
التاريخ |
5 / 2 / 1436هـ 27 / 11 / 2014م |
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،،
فقد أُعلن عن ما يسمى بـ(التحالف الدولي)، بزعم الحرب على الإرهاب ؛ ولكن حشد هذه القوات من أكثر من 60 دولة ، ورصد هذه الميزانية الضخمة التي تعادل ميزانية عدة دول مجتمعة؛ بزعم محاربة فصيل لا يتجاوز عدد أتباعه عدد أقل جيش لدولة واحدة من هذه الدول المشاركة: إن هذا كله ليلقي بظلال واسعة من الشك والريبة في المقاصد المعلنة لهذه الحرب، ويدفع للتساؤل حول مقاصدها الحقيقية!!
ومما يثير الاستغراب أيضًا، أن الحملة تزعم حرب الإرهاب في الوقت الذي تغض الطرف تمامًا:
· عن إرهاب النظام السوري الذي خلف أكثر من 300 ألف قتيل،
· كما تتجاهل إرهاب النظام الإيراني الطائفي الذي شارك النظامَ السوري ودَعَمَ الميلشيات المتطرفة في لبنان والعراق واليمن والبحرين،
· ناهيك عن الإعراض التام عن إرهاب الدولة الصهيونية، بل ودعمها في حربها الأخيرة على الشعب الفلسطيني الأعزل ؛ والتي خلفت في غزة أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 10 آلاف جريح، واستهدفت بالقصف والتدمير أكثر من مائة وسبعين مسجدًا!
· وتجاهل إرهاب الدولة كما يجري في مصر ,
· وإرهاب الحزب كما يفعل حزب الله في لبنان ,
· وإرهاب الطائفة كما يصنع الحوثيون في اليمن ,
· فضلا عن الإرهاب الحاقد على الإسلام في بورما وأفريقيا الوسطى !!
وكل هذا يجري مع تمييع مفهوم الإرهاب وعدم ضبط مصطلحه؛ ليسهل الخلط بين المقاومة المشروعة والإرهاب المذموم، وإشهاره في وجه كل من يختلفون معه!!
ومما يجلي أغراض هذه الحرب:
1) ما سُمِع من أعضاء مجالسهم النيابية وما في صحافتهم من التصريح بأن الحرب إنما هي على (المليشيات السنية)، وصدق الله تعالى حيث يقول: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).
2) كما أن من أهداف هذا التحالف هو تقسيم البلاد الإسلامية,
3) واستنزاف أموال ومقدرات دول الخليج خاصة ,
4) وإيجاد ذرائع التدخل في غزة , واعادة الحرب عليها بعد حصارها ,
5) ومحاولة إضعاف تركيا وإسقاط نظامها.
وفي ضوء هذه المعطيات ؛ فإن العلماء والروابط والهيئات العلمية في العالم الإسلامي الموقعين على هذا البيان ينبّهون على ما يلي:
أولاً: على علماء الأمة الإسلامية ودعاتها أن يتقوا الله تعالى ويقوموا بواجبهم الذي ألقاه الله على عاتقهم وأخذ منهم المواثيق عليه؛ (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وأن يُحقوا الحق ويبطلوا الباطل، ولايخفى عليهم أنّه لايؤيد مظاهرة أعداء الله على المسلمين ولا يقول بذلك أو يفعله إلا جاهل أو منافق.
ثانياً: إن السكوت عن اعتداء الكفار على المسلمين هو من أعظم الذنوب؛ فكيف بمظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم؟!! قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: ٥١]، فحكم الله تعالى على من تولى اليهود والنصارى بأنه مثلهم.
وقال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (معنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرًا وأنصارًا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم؛ فإنه من يفعل ذلك (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافونهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل)(تفسير الطبري3/227).
وقد أصدرت لجنة الفتوى في الأزهر فتوى شهيرة في حكم الأحلاف العسكرية مع غير المسلمين، جاء فيها: (ولا ريب أن مظاهرة الأعداء وموالاتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة، وبالسلاح والقوة سرًا وعلانية، مباشرة وغير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.. ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف - التي تدعو إليها الدول الاستعمارية، وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية؛ ابتغاء الفتنة، وتفريق الكلمة، والتمكين لها في البلاد الإسلامية، والمضـي في تنفيذ سياستها حيال شعوبها - لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها؛ لما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية... وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعًا، والتي قال الله تعالى فيها: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة:٥١]...) مجلة الأزهر، المجلد (27) ص682 686، السنة 1357ﻫ - 1956م.
فلا يجوز للمسلمين - حكامًا ومحكومين – المساهمة في هذه الحرب بأي نوع من المساهمة، بل الواجب التبرؤ منها ودفعها بكل سبيل.
ثالثاً: هذه الحملة العالمية ابتلاءٌ من الله تعالى؛ يمحص به المؤمنين، ويميز الخبيث من الطيب كما قال رب العالمين: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وقال: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ)، وقال سبحانه: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ).
رابعاً: الجهاد الشرعي هو الجهاد الذي لاغلو فيه ولا إجحاف، وقد سبق للعلماء إصدار بيانات واضحة، يستنكرون أعمال الفصيل المنتسب للجهاد، والمشتهر بالتكفير وقتل المسلمين واستهداف الجهاد وقادته, ويتهمون من خالفهم بأنه مفارق لجماعة المسلمين، وما يترتب على ذلك من التساهل في الدماء والأنفس، كما تستنكر عدم رجوعهم إلى علماء الأمة ورفضهم النصح والتوجيه؛ مما أوقعهم في مخالفات للشرع كثيرة وكبيرة، وهو من أسباب دخول الأمة في هذه الفتنة العظيمة، واتُخذت ذريعة للتسلط على المسلمين واستباحة دمائهم و بلادهم.
خامساً: يؤكد العلماء رفضهم وإدانتهم قتلَ واستهدافَ جميعَ الأبرياء من الصحفيين والأطباء والمسعفين وموظفي الإغاثة من مسلمين وغيرهم، سواءً على يد بعض الفصائل المنتسبة للجهاد، أو نظام الأسد ومعاونيه، أو غيرهم من الدول الغربية التي تدّعي مكافحة الإرهاب.
سادساً: إن دفع العدو الصائل الظالم -بكل ما يندفع به- ومقاومته؛ حق مشروع لكل أحد بإجماع المسلمين من غير شرط ولا قيد.
سابعاً: نبشر الأمة بأن نصر الله آت عما قريب، وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرًا، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وعن أبي بن كعب قال : قال رسول الله : (بشر هذه الأمة بالسَّناءِ والرِّفعةِ والنصرِ والتمكينِ في الأرض).[رواه أحمد بإسناد صحيح].
نسأل الله تعالى أن يحفظ هذه الأمة، ويمكن لها دينها الذي ارتضى لها، وأن يرد عنها كيد أعدائها والمتربصين بها, وأن يردها إلى دينها رداً جميلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.