الخميس ، 19 جمادى الأول ، 1446
section banner

الرد على مفتي الشيشان صلاح مِجِييِفْ

الرد على مفتي الشيشان صلاح مِجِييِفْ

بيان رقم (140)

السبت 20 / ربيع الآخر / 1442هـ

الرد على مفتي الشيشان صلاح مِجِييِفْ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فقد انتشر مقطع مرئي لمفتي الشيشان صلاح مِجِييِفْ، وهو يتحدث إلى مجموعة من النساء قد ارتدين غطاء للوجه، منكرًا عليهن هذا الفعل، محتجًا بأن التغطية ليست واجبة عند الأئمة الأربعة، وأنَّ فعلهنَّ هذا يدخل في لباس الشهرة المحرَّم، زاعما أن لباس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولباس زوجاته إنما هو من عادات العرب في ذلك الزمان وأننا غير ملزمين باتباع عاداتهم، وأنَّ من عادات الشيشانيات كشف وجوههنَّ، ولا يُسمح بتغطيتها، ثم أمرهنَّ بكشف وجوههنَّ.

ونظرا لما احتوى عليه هذا القول من المغالطات المخالفة للشرع المطهر، فإن رابطة علماء المسلمين تصدر هذا البيان إظهارا للحق، وردًّا على هذه الدعوى، ودفاعًا عن المسلمات المضطهدات في الشيشان.

أولا: مسألة غطاء الوجه:

هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء قديمًا وحديثًا، وخلافهم يدور حول الوجوب وعدم الوجوب، ولكنهم لا يختلفون في استحباب التغطية، وفي إجازتها على أقل الأحوال، ولا يوجد قول معتبر لعالم لا قديمًا ولا حديثًا يقول بحرمة تغطية المرأة لوجهها بشكل عام، بل ولا حتى القول بالكراهة، اللهم إلا ما يتعلق بمسألة الإحرام، ولها حديثها التفصيلي.

بل إنَّ بعض المذاهب الفقهية والتي تجيز كشف الوجه تقول بوجوب تغطيته في حالات معينة؛ كأن تكون المرأة فاتنة الجمال، أو في حال خوف الفتنة، أو كونها شابة، أو غير ذلك من الأحوال.

قال زين الدين ابن نجيم الحنفي رحمه الله: ((قَالَ مَشَايِخُنَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا لِلْفِتْنَةِ)). (البحر الرائق شرح كنز الدقائق 1/ 284)

وجاء في الدر المختار شرح تنوير الأبصار: ((وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة)). (ص58) وعلق ابن عابدين رحمه الله فقال: ((وَالْمَعْنَى تُمْنَعُ مِنْ الْكَشْفِ لِخَوْفِ أَنْ يَرَى الرِّجَالُ وَجْهَهَا فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ لِأَنَّهُ مَعَ الْكَشْفِ قَدْ يَقَعُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ)). (حاشية ابن عابدين 1/ 406)

وحتى في مسألة كشف المرأة لوجهها حال الإحرام في الحج فقد بين العلماء المقصود من النهي عن لبس النقاب حال الإحرام. فقال صدر الدين علي بن علي بن أبي العز الحنفي: ((قوله: (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بطريق الأولى). فيه نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمرأة كشف الوجه للرجال في الإحرام ولا غيره خصوصًا عند خوف الفتنة، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصًا، كما جاء النهي عن القفازين، وزيد في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" رواه أحمد، والبخاري، والنسائي والترمذي وصححه. وقد تقدم أنَّ القول بأنَّ إحرام المرأة في وجهها إنما هو من كلام ابن عمر، قال ابن المنذر: "وكانت أسماء ابنة أبي بكر تغطي وجهها، وهي محرمة. ورُوينا عن عائشة أنها قالت: "المحرمة تغطي وجهها إن شاءت"، انتهى. وعن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- محرمات، فإذا جاوزوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، فالذي دلَّت عليه السنة أن وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب، والبرقع، بل وكَيَدِها يحرم سترها بالمفصَّل على قدر اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملحفة، والخمار ونحوهما فلم تنه عنه المرأة: البتة.

ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم فليس معه نص. وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم وجهها كيدها؛ فلا تغطي وجهَها بنقابٍ ونحوه، ولا يدَها بقُفَّاز ونحوه. وتغطيهما إذا شاءت بغير ذلك. هكذا فهمت عائشة، وأسماء وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، وليس قول بعضهم حجة على بعض بغير نصٍّ، فلا يصح قول المصنف أنَّ المرأة لا تغطي وجهها مع ما فيه من الفتنة)). (التنبيه على مشكلات الهداية 3/ 1006)

وقال شيخي زاده الحنفي رحمه الله: ((وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لِلْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ)). (مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/ 285)

هذه أقوال علماء الحنفية، وهناك أقوال كذلك لعلماء الشافعية والمالكية والحنابلة، ولكن المقام ليس مقام سرد كلِّ هذه الأقوال، وإنما بيان بطلان قول المفتي بأنَّه: لم يقل أحد بتغطية وجه المرأة.

ثانيًا: لباس الشُّهرة:

زعم المفتي أن تغطية المرأة لوجهها يدخل في لباس الشهرة المحرم. وقد أخطأ المفتي في هذا الزعم وخالف كلَّ علماء المذاهب الأربعة وشُرَّاح الحديث في معنى ثوب الشُهرة.

فقد ورد في مسند الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" )). (مسند أحمد 9/476)

قال التوربشتي رحمه الله: ((الشهرة: ظهور الشيء في شُنعة حتى يشهره الناس ويشتهر هو به، ويكون ذلك فيما لا يحل لبسه من الثياب، فإن الوعيد على المباح غير جائز، اللهم إلا أن يدخله فساد القصد، كالذي يلبس لباسًا يريد به ليشهر نفسه في الناس والزهد والتقشف، أو الذي يتخذ لباسًا لا يشاكل لباس أهل الدين وذوي المروءة؛ ليجعل نفسه به ضحكة بين الناس كالمساخرة وإن ذهب فيه مُأَوِّل إلى الاشتهار بالعمل الذي يراد به المراءاة، فله محمل؛ فإن الكناية بالثوب عن العمل شائع في كلامهم)). (الميسر في شرح مصابيح السنة  3/ 979)

وقال القاضي البيضاوي رحمه الله: ((والمراد بـ"ثوب شهرة": ما لا يحل لبسه، وإلا لما رتب الوعيد عليه، أو ما يقصد بلبسه التفاخر والتكبر على الفقراء، والإذلال بهم، وكسر قلوبهم، أو ما يتخذه المساخر ليجعل به نفسه ضحكة بين الناس، أو ما يرائي به من الأعمال، فكني بالثوب عن العمل، وهو شائع)). (تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة 3/ 144)

وقال ابن الملك الكرماني الحنفي رحمه الله: ((وهو ما يُقصَدُ بلبسه التفاخرُ والتكبُّر على الفقراء وكَسْر قلوبهم، أو ما يتخذِهُ المُساخِر ليجعلَ به نفسَه ضُحْكَةً بين الناس، أو ما يتخذُه الزهَّاد ليُشْهِرَ نفسَه بالزهد ويقصِد به الرياء)). (شرح المصابيح لابن الملك 5/ 24)

وقال ابن مفلح الحنبلي المقدسي رحمه الله: ((وَهُوَ مَا يَقْصِدُ بِهِ الِارْتِفَاعَ، وإظهار التواضع، كما كان السلف يكرهون الشهرة من اللباس الْمُرْتَفِعِ، وَالْمُنْخَفِضِ وَلِهَذَا فِي الْخَبَرِ "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ". فَعَاقَبَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ)).(الفروع 2/ 61)

وقال ابن رسلان الشافعي رحمه الله: ((وليس هذا الحديث مختصًّا بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبًا يخالف ملبوس الناس من الفقراء؛ ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه)). (شرح سنن أبي داود لابن رسلان 16/ 206)

هذه أقوال العلماء من المذاهب الأربعة في معنى (ثوب شهرة) وليس فيها ما يوافق كلام المفتي، بل كلها بخلاف كلامه، فأين تغطية المرأة لوجهها حياء من نظر الرجال إليها، وتقربا إلى الله بعمل صالح اتفق العلماء على صلاحه عبر القرون المختلفة لهذه الأمة، ممن يلبس ثيابا مختلفة عن لباس الناس بقصد الترفُّع عليهم وكسر قلوبهم؟!

وكان الأولى بالمفتي أن يضع الحديث موضعه الذي وضعه فيه العلماء، فقد تكلم العلماء عن التبرج الواقع في زمانهم وأنكروه واستدلوا بهذا الحديث، وهذا التبرج غالبًا يحصل في المناسبات العامة في المجتمعات مثل أيام العيدين، ولذلك نبَّه العلماء على لباس الشهرة عند حديثهم عن خروج المرأة لصلاة العيد، وهذه بعض اقوالهم:

قال الإمام الشافعي رحمه الله: ((وَأُحِبُّ إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْأَعْيَادَ وَالصَّلَوَاتِ يَحْضُرْنَهَا نَظِيفَاتٍ بِالْمَاءِ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلَا يَلْبَسْنَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ وَلَا زِينَةٍ)). (كتاب الأم 1/ 267)

وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: ((وإنَّما يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الخُرُوجُ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ ولا يَلْبَسْنَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ولا زِينَةٍ، ولا يَخْرُجْنَ في ثِيَابِ البِذْلَةِ؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم: "ولْيَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ". ولا يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ، بل يَكُنَّ نَاحِيَةً منهم)). (المغني 3/ 265)

فعلماء الأمة ينكرون المنكرات الظاهرة في زمانهم ويحذرون منها، وكان الأولى بمفتي الشيشان أن يحذر نساء بلاده من التبرج، وخاصة ما يفعلنه في المناسبات الوطنية عندهم بحجة أن هذه احتفالات وطنية وتقاليد شيشانية، والتي تظهر فيها المرأة بكامل زينتها وترقص أمام الرجال، وفيها من الاختلاط ما يندى له الجبين.

وأما قول المفتي بأن تغطية الوجه ليست من عادات أهل الشيشان فقد كذب على التاريخ، قبل أن يكذب على الناس، فغطاء الوجه في الشيشان قديم، وليس خاصًّا بالعرب كما يزعم بل كل بلاد المسلمين بأقطارها المختلفة كانت النساء فيها تغطي وجهها، بل حتى النصارى في بلدانهم كانت النساء يغطين وجوههنَّ قبل هذه الحملة المسعورة على العِفَّة والعفاف في هذا الزمان. ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى كتاب (هل يكذب التاريخ/ للأستاذ عبدالله بن محمد الداوود)، فقد بين فيه تفصيل ذلك بالصور.

وكان الأولى بالمفتي أن يتبع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقدمها على عادات بلاده، سيرًا على نهج العلماء الربانيين الذين لا يقدمون بين يدي الله ورسوله قول أحد، ولا فعل أحد، ولا يعترضون على قول الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بحجة السياسة، أو بحجج واهية!

فهذا الإمام الكبير أبو الفرج الجماعيلي المقدسي عندما ذكر عادة بلاده من عدم خروج النساء إلى صلاة العيد، أنكر تلك العادة، ولو كانت تسندها بعض أقوال الفقهاء فقال: ((لا يُعْرَفُ خُرُوجُ المرأةِ في العِيدَيْن عندَنا. وكَرِهَه سُفْيانُ، وابنُ المُبارَكِ، ورَخَّصَ أهلُ الرَّأْىِ للمرأةِ الكَبِيرَةِ، وكَرِهُوه للشّابَّةِ، لِما في خُرُوجهِنَّ مِن الفِتْنَةِ، وقولِ عائِشةَ، رَضِىَ اللَّه عنها: لو رَأى رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحْدَثَ النِّساءُ لَمَنَعَهُنَّ المَساجدَ، كما مُنِعَت نِساءُ بَنِى إسْرائِيلَ. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن سُنَّةِ النبىِّ صلى اللَّه عليه وسلم، وهى أحَقُّ أن تُتَبّعَ، وقولُ عائِشةَ مُخْتَصٌّ بمَن أحْدَثَتْ دونَ غيرِها، ولا شَكَّ في أنَّ تلك يُكْرَهُ لها الخُرُوجُ، وإنَّما يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الخُرُوجُ غيرَ مُتَطَيِّباتٍ، ولا يَلْبَسْنَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ولا زِينَةٍ ويَخْرُجْنَ في ثِيابِ البِذْلَةِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم: «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» . ولا يُخالِطْنَ الرِّجالَ، بل يَكُنَّ ناحِيَةً مِنهم)). (الشرح الكبير على المقنع 5/ 330)

ثالثا: التهديد بالطرد لمن غطين وجوههنَّ:

من المؤسف أن يستخدم المفتي أسلوب الطرد من البلاد في مسألة خلافية؛ يدور الخلاف فيها بين الوجوب والاستحباب، ففعل هذه المرأة التي غطَّت وجهها يدور بين هذين الأمرين، فهي لم ترتكب أمرًا محرمًا بإجماع العلماء.

وهذا الأسلوب أقرب إلى أسلوب الجبابرة الذين يظلمون الناس، كما قال تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ ‌لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ (١٣) وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)  [إبراهيم: 13-14]، وقال عن شعيب وقومه: (قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَنُخۡرِجَنَّكَ يَٰشُعَيۡبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرۡيَتِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۚ قَالَ أَوَلَوۡ ‌كُنَّا ‌كَٰرِهِينَ ٨٨ قَدِ ٱفۡتَرَيۡنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ) [الأعراف: 88-89]

فتهديد المفتي للنساء بالطرد من البلاد إذا أصررن على لبس النقاب، لا يليق به، لما فيه من التشبه بالظالمين، والابتعاد عن سمت الصالحين من العلماء الربانيين.

ولا يجوز للمفتي ولا لغيره أن يلزم المرأة بالكشف عن وجهها إذا أرادت تغطيته قربة لله، وحياء من الرجال. وقد أجمع علماء الأمة على أنه لا يجوز إلزام الناس بما لم يلزمهم به الله ورسوله، كما أجمعوا على حرمة منع الناس من اتباع ما جاء عن الله ورسوله.

إننا في رابطة علماء المسلمين نذكر مفتي الشيشان صلاح مجييف بتقوى الله، والابتعاد عن استخدام الأحكام الشرعية في تحقيق هوى الظالمين والسياسيين، فإن عاقبة هذا الأمر وخيمة عليه في العاجل والآجل.

ونذكر مفتي الشيشان بأن الله جل في علاه قد افتتح سورة الأحزاب التي نزلت فيها آية الحجاب بقوله: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١ وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا ) [الأحزاب: 1-2]

وختمها بقوله سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٥٩ ۞ لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا ٦٠ مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا ٦١ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا) [الأحزاب: 59-62]

فعلمنا من هذه الآيات أن الذي يحارب حجاب المرأة إنما هم المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون بين الناس.

وأن من أراد سلوك طريق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحقيق التقوى فعليه الابتعاد عن طاعة المنافقين والكافرين.

كما علمنا من الآيات أن الله إنما ابتدأ بذكر نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبناته ثم عموم المؤمنات، لكون زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدوة للعالمين في هديهنَّ وسمتهنَّ ولباسهنَّ، فمن أرادت الخير من نساء المسلمين فعليها بالتشبه بأمهات المؤمنين والاقتداء بهنَّ.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا ومفتي الشيشان إلى الحق، وأن يهدي قلوبنا للحق، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

صادر عن

الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين

السبت 20 / ربيع الآخر / 1442هـ

5/ديسمبر/2020م