الأحد ، 11 ذو القعدة ، 1445
section banner

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن ما سُمِّيَ بالاتفاق الإطاري في السودان

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن ما سُمِّيَ بالاتفاق الإطاري في السودان

بيان رقم ( 175 )

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن ما سُمِّيَ بالاتفاق الإطاري في السودان

الحمد لله رب العالمين، القائل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، والصلاة والسلام على النّاصح الأمين صلى الله عليه وسلم، القائل: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.

أمّا بعد:

فقد تابعت رابطة علماء المسلمين التحولات السياسية في السودان، وما نجم عنها من مبادرات أجنبية لدول خارجية، تعمل بإصرار مشبوه على التدخل في شأن السودان، وتؤزّ بكل قوّةٍ عملاءها عبر سفاراتها، للعبث بهُوية السودان العربية المسلمة، وزعزعة استقراره وخرق نسيجه المجتمعي المحافظ؛ فأصبح السودان بِلا حكومةٍ مرضية تحفظ هويته الإسلامية وأمنه واستقراره!

وقيامًا منَّا بواجب النُّصح والتبيان، نتوجه بهذه الرسائل لأهل السودان عمومًا، ولقادته على وجه الخصوص؛ وقد سبقت هذه النصيحة بيان من روابط وهيئات عُلمائية مختلفة من علماء المسلمين قبل عامين برقم رقم (145) في الثلاثاء 17/شعبان/1442هجري؛ فنقول وبالله التوفيق:

أولًا: الأصل في غالبية أُمَّة السودان أنَّها أُمَّةٌ مسلمةٌ رَضيَتْ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمَّدٍ ﷺ نبيًا ورسولًا وبالقرآن الكريم دستورًا، ولا يمكن لها أن تستبدل بشريعة الله وكتابه دساتيرَ غربيَّة وقوانينَ وضعيَّة، كيف وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة: 108]، وقد تقرر لدى أهل الإسلام والإيمان أنه عند التنازع يكون اللجوء لحكم الله وليس للهيئات الدولية وسفارات الدول الأجنبية.

قال عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى 10].

ثانيًا: إنَّ جميع المبادرات والمصالحات السياسية التي فيها مخالفةٌ ومضادةٌ لكتاب الله وأحكامه، تعتبر باطلةً غيرَ مُلزمةٍ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ».

[رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة].

ثالثًا: إنَّ المخرج من هذا التردِّي السياسي والأمني والاقتصادي الذي دخل فيه السودان، يكمن بداية في الرجوع إلى الله عز وجل والاصطلاح مع شرعه، ثم بالأخذ بأسباب القوة وأعظمها الاعتصام بحبل الله عز وجل ونبذ التفرق.

قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

وقال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53].

والواجب على من تولوا سُدَّةَ حكم السودان أن يقوموا بما أوجبه الله على كل من تولى أمر المسلمين؛ من الرفق بهم والنصح لهم، وتلبية احتياجاتهم، وحفظ أمنهم، وجمع كلمتهم على الحق وتأليف قلوبهم، وألَّا ينتهكوا حقَّ الله فيتعدُّوا حدودَه، ويخونوا أماناتهم، فيسلطوا على شعب السودان المسلم ثُلَّة مأجورة، تعبث بهُويتهم وكرامتهم وسيادتهم ومآل حالهم، وترهنهم للمؤسسات الدولية، والدول الأجنبية عبر سفاراتها ورجال استخباراتها!

رابعًا: إنَّ من أخطر مظاهر التفريط في البلاد أن يُوَلَّيَ في المناصِبِ من ليس أهلًا لها، مع علم القائمين بذلك بوجود من هم أولى وأصلح؛ تقديمًا لمصالح فئةٍ قليلةٍ على مصير شعبٍ بأكمله، وفي هذا المسلك تعزيز للفساد وتدميرٌ للبلاد، وتكرار لتجربة خسرت وبارت وأفضت بالسودان وأهله لما هم فيه من ضيق وبلاء.

وإذا كانت تولية أمر إدارة البلاد لمن ليسوا أهلًا لها يُعَدُّ خِيانةً للأمانة وغِشًّا للرّعية، فأعظم منه جُرمًا  تولية الأمر لدولٍ متربصةٍ طامعةٍ تتخفَّى خلفَ المنظماتِ والجمعياتِ، لا يرقبون في المسلمين إلًّا ولا ذِمَّةً ولا يرعون لهم عهدًا ولا حرمة وقد قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران 118].

خامسًا: تهيب رابطة علماء المسلمين بقادة المؤسسة العسكرية ممثلة في قائدها العامّ أن يكونوا على حذر من عواقب التفريط في سيادتهم على البلاد؛ وأن لا يسمحوا لأي جهةٍ مهما كانت وأيًّا كانت أن تقحم نفسها وتحشر أنفها في شأنٍ يخص السودانيين وحدهم؛ وليعلموا أنه لن تفلح أمّةٌ فرّطت في سيادتها وسمحت لعدوها أن يتحكم في إرادتها!

ونشدُّ على أيديهم مرةً بعد مرّة مؤكِّدين أن لا يستجيبوا للضغوط الأجنبية، ولا يقبلوا لهم رأيًا أو مشورة؛ فإنهم لا يريدون بالسودان وأهله إلا العنَت والشرَّ؛ قال تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [البقرة: 105].

والعاقل من اتعظ بغيره، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين! وما ثمرة ونتيجة التدخلات الأجنبية الدولية والأممية في ملف إحلال وبناء السلام في العهد السابق منكم ببعيد!

لذلك فإن رابطة علماء المسلمين تتوجه لعقلاء السودان حكومة وشعبًا ناصحة مشفقة، وتحذرهم من المبادرات الماكرة المشبوهة التي تقوم بها بعض الدُّول عبر سفاراتها وإصرارها أن تتدخل في شؤون السودان وشعبه. ومحاولاتها الفجّة لاستغفال شعب السودان والتحايل عليه؛ وتدعو الرابطة كافّة أهل السودان إلى رفض هذه الوصاية عليهم والتي منحها من لا يملك لمن لا يستحق، وتدعوهم أن يتنادوا إلى الاصطفاف لبناء بلادهم بسواعدهم، وإلى نبذ الفرقة والتناحر، وإلى الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها. مع الحذر الشديد من مؤامرة تفتيت البلاد وتمزيقها ورهنها لتجار الحروب وصناع الأزمات ودعاة الفتنة.

وختامًا:

تؤكد الرابطة على أنّ إقامة السلام، والقضاء على مسببات النزاعات، وحماية المدنيين، ورتق النسيج الاجتماعي، وإصلاح القطاعات المختلفة، وتدوير عجلة التنمية من أعظم الواجبات، وهي من مقاصد الشريعة.

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يُجنّب السودان وأهله الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجمعهم على كلمة الحق والهدى، وأن يبدل شدتهم رخاء، وبلاءهم عافية، وخوفهم أمنًا.

بيان صادر عن

الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين

الجمعة 22/جمادى الأول / 1444هـ

الموافق 16/12/2022م

------------------------------