هل بعث النبيُّ ﷺ برسالةٍ عامةٍ أم بمُلكٍ خاص؟!
لو كان النبي ﷺ قد أوصى بالخلافة بعده لعلي رضي الله عنه، أو ذريته من بعده، أو لأحد من أقاربه - كما زعم الشيعة - لكان قد طلب على تبليغ رسالته أجرًا، ونقلها من نبوة إلى ملك موروث؛ وحاشاه ﷺ من ذلك!
إذ خُيِّرَ ﷺ بين أن يكون ملكًا نبيًّا، أو عبدًا رسولًا؛ فاختار ﷺ الرسالة على الملك!
ففي الحديث الصحيح: «جلسَ جبريلُ إلى النبيِّ فَنظرَ إلى السَّماءِ، فإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فقال لهُ جبريلُ: هذا المَلَكُ ما نزلَ مُنْذُ خُلِقَ قبلَ هذه السَّاعَةِ! فلمَّا نزلَ قال: يا محمدُ؛ أَرْسَلَنِي إليكَ رَبُّكَ، أملكًا نبيًّا أجعلَك أم عبدًا رسولًا؟ قال جبريلُ: تواضعْ لربِّك يا محمدُ؛ فقال بل عبدًا رسولًا»!
[أخرجه أحمد (7160)، والبزار (9807)، وأبو يعلى (6105)، ومجمع الزوائد: (9/21)
ينظر: صحيح الترغيب: (3280)].
فلما انتفى أن يكون أحد من قرابته بعده نبيًا، انتفى كذلك أن يكون قد أوصى بالخلافة أو الملك لأحد منهم بعده، لأنه عبد رسول لا غير .
ولأجل تصحيح الفهم ودفع هذا الوهم، تكرر الأمر له ﷺ بنفي طلب الأجر من الناس وإخبارهم بعدم إرادة شيءٍ من دنياهم؛ فقال تعالى له:
﴿قُل ما سَأَلتُكُم مِن أَجرٍ فَهُوَ لَكُم إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ﴾ [سبأ: ٤٧]؛
﴿قُل ما أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِلّا مَن شاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧]؛
﴿قُل ما أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ وَما أَنا مِنَ المُتَكَلِّفينَ﴾ [ص: ٨٦]؛
﴿أَم تَسأَلُهُم خَرجًا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيرٌ وَهُوَ خَيرُ الرّازِقينَ﴾ [المؤمنون: ٧٢]؛
﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [الطور: ٤٠]، وفي سورة القلم:٤٦]؛
﴿قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى وَمَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَزِد لَهُ فيها حُسنًا إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ شَكورٌ﴾ [الشورى: ٢٣]،
وقوله تعالى: {إلا المَودةَ في القربى}، أي: لا أسألكم على القرآن أجرًا إلا أن تودوني وتعاملوني معاملة المودة وليس معاملة العداوة؛ لأجل القرابة التي بيني وبينكم.
وكذلك فسرها حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وهو من كبار آل البيت فقال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوْا أن يبايعوه قال: (يا قوم، إذا أبيتُم أن تبايعوني، فاحفظوا قرابتي فيكم، لا يكن غيرُكم من العرب أَولَى بحفظي ونُصرتي منكم)؛
[رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 495)].
وكل تفسير سوى هذا فبعيد متعسفٌ ومتكلف، لأن هذه الآية مكية تخاطب قريشًا وحدهم قبل ولادة الحسن والحسين، بل وقبل تزوج علي بفاطمة؛ رضي الله عنهم، ولا شأن لها بوصية ولا ولاية!
ويشهد لهذا المعنى ما جاء في الصحيحين: لما نزلتْ هذهِ الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }، دعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قريشا فعَمّ وخَصّ فقال: «يا معشرَ قريشٍ أنقذوا أنفسكُم من النارِ ، يا معشرَ بني كَعْبٍ أنقذوا أنفسكُم من النارِ، يا معشرَ بني عبد منافٍ أنقذوا أنفسكُم من النارِ، يا معْشَرَ بني هاشمٍ أنقذوا أنفسكم من النارِ، يا معشرَ بنِي عبد المطلبِ أنقذوا أنفسكُم من النارِ يا فاطمةَ بنتَ محمدٍ أنقذي نفسكَ من النارِ، فإني واللهِ ما أمْلِكُ لكُم من اللهِ شيئا، إلا أن لكم رحِما سأبلُها ببلالها»؛ أي: سأصلها ولا أقطعها.
وتلك هي سنة كل نبي قبله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كل نبي يقول لقومه: (ويا قومِ لا أسألُكم عليه أجراً) (ويا قومِ لا أسألُكم عليه مالًا).
وكل هذه النوافي القرآنية المؤكدة بعدم طلبهم أي أجر أو جزاء من أحد غير الله تعالى على تبليغ رسالتهم، هي بيان واضح أنه ما كان لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه كغيره من الأنبياء، أن يتلوا على أمته هذه البراهين الساطعة، والحجج القاطعة، والأدلة الناصعة، ثم ليقول لهم بعد ذلك وحاشاه: قد جعلت ملككم وولايتكم وحكمكم لأسرتي وعترتي أهل بيتي؛ فلا تنازعوهم في ملكهم؛ ولا تخرجوا في الدين عن حدود فهمهم؛ وكونوا لهم في كل شيءٍ تبعا!!!
كيف يكون هذا وقد تواطأ المسلمون سلفهم وخلفهم على تناقل قوله عليه الصلاة والسلام الصحيح المتيقن: «نحنُ معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ».
[رواه مسلم: (1758].
فإذا كان هذا في خاصة ما يملكون من متاعهم القليل المتواضع، فكيف يعقل أن يورثوا أمة بكاملها ويسلموا رقاب شعوب بأسرها، لمجموعة من قراباتهم وعشائرهم يتصرفون فيهم كيف يشاؤون؟!!
ونؤكد هنا على ما سبق إيراده في الحلقة الماضية من إعلان براءته صلى الله عليه وسلم من كل فساد يرتكب في أمته بدعوى الاستحقاق والولاية والقرابة والأولوية وووو غيرها من الدعوى الباطلة!
إذ قال بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه: «إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي، وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا، اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ فَسَادَ مَا أَصْلَحْتَُ، وَايْمُ اللَّهِ لَيَكْفَؤُونَ أُمَّتِي عَنْ دِينِهَا كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ فِي الْبَطْحَاءِ». وسبقت الإشارة إلى تخريجه.
ولن ينتهي هذا السفه واللهاث خلف ادعاء الخلافة والإمارة واستحقاقها من دون المؤمنين، حتى تهلك الأمة! فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ هَلاكَ أُمَّتي على يَدَيْ غِلمَةٍ سُفَهاءَ مِن قُريشٍ».
وهذا ما أكده التأريخ عبر عصوره الممتدة، فما سُلّ سيف في هذه الأمة، ولا سفك دم، ولا قطعت أواصر الرحم، وهتكت المحرمات في قضية من قضايا الأمة، مثل: دعوى الولاية والوصاية والمظلومين وحق آل البيت، وغيرها من الدعاوى المكذوبة المفتراة!!!
والله المستعان على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مقالات جديدة
معانــي ودلالات الأمــر في القرآن الكريم
بقلم : بقلم أ.د. محمد أمحزون
إيران ذات الأوجه
بقلم : د . محمد العبدة
عاشوراءُ : أسبابُ النَّصْرِ والنَّجَاةِ .. وموجِباتُ هَلاكِ الطُّغَاةِ
بقلم : د.محمد عبد الكريم الشيخ
طاجيكستان والاستبداد السياسي
بقلم : د. عطية عدلان
الانقلابات.. مَنْ وراءها؟
بقلم : د. عطية عدلان
في رحاب آية
بقلم : حسن عباس