
في السياسة الشرعية

في السياسة الشرعية
د. محمد العبدة
من سنن الله سبحانه في هداية البشر أنه أتم عليهم وأكمل الأمور التي لاتختلف باختلاف الزمان والمكان مثل العقائد والعبادات والأحكام القطعية ، أتمها سبحانه أصولاً وفروعاً فليس لبشر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزيد فيها أوينقص . وأما الأمور التي تختلف باختلاف الزمان أو المكان فقد جاء الإسلام فيها بالأصول والمبادئ الكلية ، ومن هذه المبادئ تُبنى كل التنظيمات الفرعية السياسية والاقتصادية والإدارية وحسب الوفاء بالحاجات الواقعية على أكمل وجه . لأن التعميم إذا نزل إلى التفاصيل الجزئية فإنه يقيد الأجيال المقبلة بهذه التفاصيل فلا يستطيعون الاجتهاد من خلال النصوص العامة ، بل يترك لهذه الأجيال أن تجتهد مادامت هذه التفصيلات تنبثق من توجيهات المبادئ الثابتة وتلتزم بها .يقول العلامة الطاهر بن عاشور : " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نبوته غير معرج على تبيين من يخلفه في تدبير أمور المسلمين ، ولوكان للأمة مصلحة في بيان ذلك لبينه فيما بين ، فترك العهد والوصية لأن الله لم يأمره ببيان ذلك ، ولعل حكمة السكوت عن هذا الأمر قصد التوسعة على الأمة في طرق اختيار مايليق ومن يليق بحال مصالحها في مختلف الأحوال والأعصار والأقطار " ا. ه ففي موضوع الحكم والسياسة هناك أصل كلي وهو ( الشورى ) والقرآن الكريم دعا إلى ( التشاور ) في الأمور العامة والخاصة وجعل الشورى من خصائص الجماعة المسلمة ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) وأما تفصيلات هذه الشورى : كيفية اختيار الحاكم والشروط المطلوبة ، والمدة المقررة وكيف يتم اختيار أهل الحل والعقد ( مجلس الشورى ) فهذه من التفصيلات الاجتهادية تراعي الزمان والمكان وظروف المسلمين … الخ
الله سبحانه يقول للمسلمين : أمركم شورى بينكم ، ويقول لهم : ( كونوا قوامين بالقسط …) ويقول : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) ثم غرس فيهم نعمة العقل وترك لهم اختيار الوسائل المناسبة . فكل جيل يستبين الهدف من التعاليم الإسلامية في شؤون الحكم والاقتصاد ثم يتخير الطريق الذي يوصله إلى هذا الهدف . وقد أشار الإمام الجويني إلى الخطأ الذي يقع فيه بعض المؤلفين حين يظنون أن بعض أمور السياسة هي قطعية وليست اجتهادية ، يقول : ( قد كثر في أبواب الإمامة الإفراط والتفريط ، والسبب الظاهر أن الخائضين في هذا الفن يبغون مسلك القطع في مجال الظن ) .
ومن العجب أن يقوم بعض الكتاب اليوم باستحضار من كتب في الحكم والسياسة في القرن الخامس الهجري وفي العصر العباسي ولا يراعون أن هؤلاء كتبوا حسب اجتهادهم وظروف عصرهم ، وبعض الآراء مردود عليهم .
فعند ذكر الرئاسة الأولى ( الخلافة ) وكيف تنعقد ، قالوا : تنعقد بوجهين : باختيار أهل الحل والعقد ، أو بعهد من الإمام من قبل ، ولكنهم لم يذكروا من هم أهل الحل والعقد تفصيلًا وكيف يُختارون وهل بعد اختيارهم هم الذين يختارون الرئاسة الأولى ؟ أم بعد اختيار الرئاسة الأولى بطريقة ما هو الذي يختار أهل الحل والعقد ؟ بأيهما نبدأ ، وهل يصح أن يختار هو وحده مجلس الشورى ؟ ثم يذكرون انعقاد البيعة للإمام ، وأن أقل عدد تنعقد به خمسة مستدلين بانعقاد البيعة لأبي بكر رضي الله عنه بخمسة يقصدون يوم سقيفة بني ساعدة ، وهذا غير صحيح فالذي حصل في السقيفة هو ترشيح لأبي بكر وأما عقد البيعة فقد كان في اليوم التالي في المسجد النبوي ، ولوأن الصحابة لم يوافقوا فرضاُِ على أبي بكر لم تنعقد له البيعة .
انعقاد البيعة :
وبعضهم قال : تنعقد بثلاثة : حكماً وشاهدين ؟! وبعضهم يقول : إن أقل العدد أربعين قياساً على ماتصح به صلاة الجمعة ، ويقول الماوردي : إنها تنعقد بعهد من قبله ، ويستدل بعهد أبي بكر لعمر ، والحقيقة أن عهد أبي بكر لعمر هو ترشيح وليس انتخاباً فقد وافق الصحابة بالإجماع على بيعة عمر رضي الله عنه . المشكلة أن هؤلاء العلماء الذين كتبوا في السياسة الشرعية لم يفرقوا بين الترشيح والمبايعة أو الانتخاب وإن اختيار عمر لستة من كبار الصحابة كان لترشيح أحدهم ، ولذلك قضى عبد الرحمن بن عوف أياماً يستشير سائر الناس ثم اتضح له ميل الأكثرية لترشيح عثمان وفي اليوم التالي تمت المبايعة في المسجد . هكذا نلاحظ اختلاف الاجتهاد بين كل حالة وأخرى وهي دليل على أنها واقعة اجتهادية
ثم انتقل هؤلاء الكتاب في السياسة الشرعية إلى موضوع عزل الحاكم ، هل يُعزل إذا طرأ عليه الفسق أو أصبح ظالماً بطاشاً ، وأحد أسباب ذكرهم لهذا العزل هو أنهم يفترضون أن حكم الخليفة أو الرئاسة الأولى ليس لها مدة محددة ، ولكن هذه المشكلة تُحل عندما يقدر للرئاسة مدة محددة وربما تعاد مرة ثانية فقط . وهناك مجلس شورى ( المنتخب بالوسائل المناسبة ) وعندما تكون هناك أخطاء وهنات يصبر عليه وينصح ويؤمر بالمعروف كما جاء في الأحاديث النبوية ، وأما إذا تعدى طوره وكثر ظلمه فيحق لمجلس الشورى عزله ، أو يكون هناك مجلس آخر تحال إليه قضايا مثل عزل الحاكم قبل انتهاء مدته ، ويجب أن يكون حاضراً في الذهن أن الحاكم ليس فريداً بل هو بين نخبة يتقارب أفرادها وستظل حصيلة آرائهم أفضل من حصيلة رأي واحد ، أي عندما تكون الشورى إلزامية تحل الأمور بطريقة أسهل .
مقالات جديدة

الأضحية فضلها واحكامها
بقلم : أ.د. كامل صبحي صلاح

المجاهدون والمرابطون وعشر ذي الحجة
بقلم : الشيخ /عارف بن أحمد الصبري.

أعظم مواسم الطاعات - رسالة للعلماء والدعاة والمصلحين ولكل مسلمٍ
بقلم : عارف بن أحمد الصبري

السلطان عبد الحميد الثاني ( 1876- 1909)
بقلم : بقلم أ.د. محمد أمحزون

محمـد علـي باشا والي مصر (1805-1849م)
بقلم : بقلم أ.د. محمد أمحزون

الأشهر الحرم...أ. د. كامل صبحي صلاح
بقلم : الأستاذ الدكتور/ كامل صبحي صلاح