الأحد ، 11 ذو القعدة ، 1445
section banner

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن افتتاح الإمارات البيت الإبراهيمي

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن افتتاح الإمارات البيت الإبراهيمي

 

بيان رقم ( 178 )

بيان رابطة علماء المسلمين بشأن افتتاح الإمارات البيت الإبراهيمي

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقد انعقد المؤتمر الدولي الأول حول موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية التي أقرتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وهذا المؤتمر الذي شاركت فيه تسع عشرة دولة إسلامية، والذي أعلن فيه أهل العلم من مختلف دول العالم كلمتهم وبيان بطلان هذه الديانة المخترعة وما ارتبط بها من مخططات، وما صدر عن هؤلاء العلماء وتلك الروابط العلمية المشاركة من بيان واضح ببطلان هذه البدعة المنكرة، وأنها كفرٌ بواح، وإنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة- رغم ذلك فإن دولة الإمارات أبت إلا أن تضرب بذلك كله عرض الحائط ومضت في إقرار هذا الانحراف وجعله أمرًا واقعًا على الأرض من خلال افتتاحها ما أطلقت عليه البيت الإبراهيمي، وإزاء هذه الخطوة الخطيرة؛ فإن رابطة علماء المسلمين تعيد تأكيد موقفها وموقف جميع أهل العلم من هذا الضلال البعيد، وتعيد نشر البيان الذي اعتمدته جميع الروابط العلمائية الإسلامية، والذي يمثل جميع الدول الإسلامية، وهذا نصُّ البيان:

 (الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام مكانةً خاصة بالنسبة لهذه الأمة، فهو القدوة والأسوة التي أمروا باتباعها: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (آل عمران 95)، ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (النحل 123)، ولقد تكرر في تلك الآيات وغيرها وصف إبراهيم بالحنيفية التي هي صبغة هذا الدين الإسلاميِّ العظيم. 

والسبب في ذلك كله واضح، وهو أنَّ محور الصراع كان - ولايزال - يتخذ من إبراهيم عليه السلام ومِلَّتِهِ نقطة ارتكاز ومنصة انطلاق، فالكل يدّعي أنّه على دين إبراهيم وأنّه أولى الناس به، وقد حسمت الآيات من سورة آل عمران هذا الصراع لصالح هذه الأمة: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) (آل عمران 67-68)، وقد دلت هذه الآيات - مع ما سقناه من الآيات آنفاً - على أنّ هذه الأمة المباركة تحتكر شرف الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، فبعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد لأمة من أمم أهل الكتاب أو غيرهم أن تدعي هذا الشرف إلا بأن تدخل في الإسلام؛ إذ إنّ الانتساب إلى الأنبياء يكون بالاتباع والاقتداء لا بالنسب والادعاء.

وهذا المحكم الثابت من دين الله تعالى يتعرض اليوم - مع جملة أخرى من الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة - لعاصفة شديدة؛ تَشُنُّها قوى الشر والعدوان من صهاينة اليهود والأمريكان وحلفائهم، وذلك عبر ابتداع دين جديد يريدون فرضه فيما يسمونه بالشرق الأوسط بعد الترويج له والتمهيد والإعداد، ويزعمون أنّ هذا الدين سيكون جامعاً للديانات السماوية الثلاثة: الإسلام والنصرانية واليهودية، وعمدتهم في هذه البدعة أنّ إبراهيم عليه السلام هو الجذر المشترك الذي نبتت منه الديانات الثلاثة.

فقد كثر ذكر عبارة "الدين الإبراهيمي " في الآونة الأخيرة على ألسنة بعض الساسة الغربيين؛ وفي وسائل الإعلام، ويقصدون بها الخلط بين الإسلام دين الله الحق وبين اليهودية والنصرانية بزعم أنَّها كلها تنتسب إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام.

والمقصود من الترويج لهذه البدعة المنكرة: إيجاد أرضية لتطبيع ديني تدعم التطبيع السياسي، وأن تكون مرتكزاً فكرياً سياسياً؛ يساند القبول بوجود دولة للكيان الصهيوني في فلسطين؛ وإقرارهم على ما في أيديهم من المقدسات المغتصبة.

ولذلك أصبح المصطلح مُفردةً مشتركة في خطاب رؤساء أمريكا: (أوباما وترامب)؛ فالأول تحدث في خطاباته عن "الدين الإبراهيميّ العالميّ" والثاني اجترّه فأطلق على ما يُسمَّى بـ(صفقة القرن) اسم " الاتفاق الإبراهيميّ".

وهكذا يجلُّ الخطب، ويفدح الأمر، وتنتقل الفتنة إلى أصل الدين! ويُرَاود أهل الإسلام على ترك دينهم الحق إلى الباطل المحض.

وإزاء ما يُروَّج له مما يسمى الدين الإبراهيمي، ويخادع به المسلمون، فقد أصدرت الجهات العلمية البيان التالي:

أولاً: أجمع المسلمون في كل عصرٍ وجيلٍ، مَشرقًا ومَغربًا- على أنه بعد بعثة نبينا ﷺ لا يقبل الله دينًا سوى الإسلام، الذي أنزله على خير الأنام. قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85]

وقد قال ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة].

وإن طاعة يهود وأوليائهم في أمر الدين الإبراهيمي الكفري خروجٌ من ملة الإسلام الخاتم، الناسخ لكل شريعةٍ سبقته، وهو أعظم فتنة في الدين!

ثانيًا: منذ بعثة نبينا ﷺ وعداوة يهود وسائر المشركين لم تَفْتُرْ، ولم تهدأ، ولن تهدأ! قال تعالى:لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة: 82] وقال سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]. وليس لتلك العداوة من غايةٍ أو نهايةٍ إلا فتنة المسلمين، ورِدَّتهم عن الإسلام! قال سبحانه: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217]

ثالثًا: إن الأمة المسلمة اليوم تواجه كيدًا عالميًّا، وسعيًا إجراميًّا لتبديل دينها، واختطاف إسلامها، وتحريف عقيدتها، والعبث بثوابتها الشرعية والفكرية، وما بدعة الدين الإبراهيمي إلا حلقة في هذا العبث.

والواجب على المسلمين عامة والعلماء خاصة السعي بكل سبيل لاستبانة سبيل المجرمين، وفضح كيد الماكرين من الصهاينة والصليبيين؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55].

رابعًا: إن الصهاينة اليوم يتهيؤون للسعي للسيطرة على العالم العربي من خلال محاور متعددة:

منها: أن تصير عقائدهم مقبولة بين المسلمين عَبْر ما يسمى الدين الإبراهيمي، وعمل مخطط سياحي يمر بدول متعددة بزعم أنه مسار إبراهيم عليه السلام.

ومنها: عودة اليهود الذين اغتصبوا فلسطين إلى البلاد التي خرجوا منها في العالم العربي ليصبحوا مواطنين، أو طابورًا خامسًا لليهود في تلك البلاد!

وبهذا وغيره يحققون مزاعمهم في حكم العالم العربي، بعد أن تنفَّذوا في العالم الغربي!

خامسًا: إن معقد الولاء وآصرة التآخي هي الإيمان والإسلام؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم» [أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد بنحوه من حديث علي بن أبي طالب].

‏‏والذين يخدعون أمتهم بمسايرة من يروج للأخوة الإنسانية بديلاً عن أخوة الإيمان والإسلام، إما سذج مستغفلون أو ضالون مضلون ليسوا في دعوتهم المستأجرة على شيء!

سادسًا: إن العلماء يعلنون للحكام وعموم المسلمين أن الدخول في هذا الدين، والترويج له، والسير في مساراته المتعددة - ردة عن الإسلام، وكفر بجميع المرسلين، وخيانة لأمانة هذا الدين. والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

وعلى العلماء في كل بلدٍ، وكل موقع رسمي وغير رسمي أن يقوموا بواجب حماية عقيدة المسلمين وشريعتهم، وحفظ ثوابتهم، وإنكار هذه البدع الكفرية.

ونداؤنا لأهل الإسلام جميعاً أن يكونوا على يقظة مما يحاك بهم ويدبر لهم، نداؤنا لأهل الإيمان أن استمسكوا بالإسلام واعتصموا بالعروة الوثقى، ولقنوا أولادكم الحقّ وعلموهم الاعتصام بحبل الله المتين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).

وتدعو رابطة علماء المسلمين الخطباء والأئمة في جميع الدول الإسلامية، إلى التصدي لهذه البدعة الكفرية المنكرة، وبيان باطلها وضلالها، وأن تبين لجماهير المسلمين حكمها وحكم من يدعو إليها، ومن يقف وراءها، والأهداف الخبيثة من ورائها؛ عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» [رواه مسلم وغيره].

والله عز وجل نسأل أن يحفظ علينا ديننا، وأن يبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، وأن يجعل ولايتها فيمن خافه واتقاه واتبع رضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.  2/مارس/2023م

-----------------------------